أمجد الفقي يكتب: البصمة الوطنية

الوطن هو أغلى ما يسكن في داخل الإنسان ، و هوكنز من كنوز الذات ، و لما لا؟ففيه مهد الصبا، و موطئ الخطى، و منبت الطفولة، و مآل الكهولة، و هو مستودع الذكريات، و قرة عين الأمنيات، وموطن الآباء و الأجداد و ملاذ الأبناء و الاحفاد.

فالإنسان بلا وطن إنسان بلا روح بلا جذوريابس يائس يرتعد داخل ذاته، يهوي كلما أراد النهوض.

و العلاقة بين الواطن و وطنه تختلف جوهرياً عن العلاقة بين المواطن و وطنه فهو في الاولى فاعلو في الثانية مفعول ، و الاوطان لا تنهض إلا بفعل فاعل كما لا تنهار إلا بخذلان مفعول .

و لعل جميع النظريات التي عرفت مفهوم الوطنو المواطنة على اختلاف مشاربها بين النظريات العقدية، و الليبرالية، و الجمهورية، و القومية،والدينية، و الهجينة و غيرها قد اتفقت جميعهاعلى أهمية شعور الفرد بالانتماء إلى مجتمعه و مسؤوليته تجاه وطنه.

كما أكدت جميع هذه النظريات على ضرورةمشاركة الفرد في الحياة العامة و المساهمةفي بناء مجتمع أفضل، و سعت إلى تحقيقالعدالة و المساواة و احترام الحقوق و استيفاءالواجبات.

لكن الوطن بداخل كل فرد من المجتمع يكتسبمفهومه الخاص، و الذي شكلته التنشئة و التجاربالحياتية التي تختلف من فرد إلى آخر و ربماتجدها قد أضافت إلى رصيد الوطن في نفس الفرد أو خصمت منه، و يأتي الفعل دائما إما من محسنأو من مسيئ لهذا الوطن ليترك أثره في الاعمار أو الهدم، و من هنا تأتي المسؤولية تجاه الوطن في القول و العمل ؛ فليست ملازمة الرأي المؤيد للسلطة الحاكمة هي معيار الوطنية لما قد يشوبها من الحياد و المداهنة على حساب الوطن كما أنه أيضا لا ينبغي ملازمة الرأي المعارض للسلطة الحاكمة لما يخالطها من هدم قيمة الوطن بخسا و تحقيرا.

و لأجل ذلك فإن قيمة الوطن تنبع من داخل كلفرد ببصمته الفريدة فتكون ملامح وطنيتهالخاصة و لذلك فإنه من الصعب أن تجد مفهوما موحدا يجتمع عليه الأفراد ذلك عندما تتحدث عن الوطن و الوطنية لكن إطارا واحد ينبغي أن يحكم الجميع في ممارسة وطنيته حتى تؤتي ثمارها بممارسة مسؤوليته بشكل ينفع الوطن و يعمل على تحجيم ذاته عن الأضرار به خاصة في ظل حروب الجيل الرابع التي تتعمد هدم ثوابت الوطنية القائمة على الهوية الوطنية و الدينية و الثقافية و التاريخية.

ختاماًلعل هذا المقال يدفع القارئ إلى البحث في ذاتهعن مفهوم الوطن و الوطنية و ستدهشون حقا إذاما تفاعلتم مع هذا المقال و تركتم تعليقايشرح المفهوم الخاص بكم عن الوطن من واقع تنشئتكم و تجاربكم و بصمتكم الخاصة ، سيكون منبع الدهشة حينئذ من أن جميع بصماتكم ستكون منطقية و متنوعة و مذهلة في حب هذا الوطن ذلك إذا ما بحثتم بصدق عن حقيقته المجردة التي تسكن فيكم.

و لعل هذا التفاعل يمنحنا الفرصة لاستعادة الثقة المفقودة و الضرورية في قدرتنا على رفعة هذا الوطن في ظل كل تلك التحديات الوجودية بشرط أن يتحلى الجميع بالمسؤولية و الأمانة و الصدق التي يجدها في ذاته تجاه وطنه و أن يؤديها بضمير حي و اخلاص تام و عند ذلك فقط سننهض بالوطن جميعا و سينهض بنا الوطن.

حفظ الله مصر و شعبها المرابط

Exit mobile version