أمجد الفقي يكتب: سرقة الانتماء بين فقدان الثقة و خيانة الوطن

امجد الفقي edited

لعل عنوان المقال قد وشى بما في جعبتي و لا ضير في ذلك، فإذا استوقفك العنوان فنحن متفقون على واقعة السرقة و من هنا تولدت لدينا الحاجة إلى معرفة كيف حدث و يحدث ذلك.

اسمح لي أن اصطحبك معي لنعبر معًا من خلال بوابة الجمهورية الثانية ولأمانة السفر و حق الطريق الذي سنقطعه فدعني اخبرك اننا سنسلك طريق العودة لنراجع وقائع السرقة بشرط مؤقت وهو أن نتخلى خلال هذه الرحلة عمّا تبقي من انتمائنا و نركز جهودنا للتعمق في معرفة متى و كيف حدث ذلك؟

بدأت جريمة سرقة الانتماء مع انفلات يناير حيث تم ترسيخ معياري الإقصاء و الاستقطاب عبر استخدام برمجة عصبية ذات تردد عالي ملائمة لحالة الانفلات و الثورية و كان أولى تأثيراتها هو اتباع منهجية التصنيف و التمييز و التي بدأت بتصنيف فئة الفلول تمهيدًا لإقصائهم مقابل زيادة الاستقطاب الديني خلف فصيل ذو أيديولوجية مهلكة فحاز تصنيف فئة الإخوان على درجة الاستحقاق للإقصاء جزاءًا وفاقا.

لكن الأمر لم ينته عند ذلك الحد بل تخطاه إلى مزيد من التصنيفات و مزيد من التشرذم فنشأت فئات المتعاطفين مع الكتل المقصية و تصدرت كتلة 30 يونيو أو كتلة حزب الكنبة المشهد و احتشدت و حشدت خلف القيادة للتخلص من ضريبة الإقصاء و التي احتشدت لإرهاب كتلة 30 يونيو، ونجحت الكتلة الصلبة في إقامة الحَجَّة و إثبات أدلة الخيانة و اجتثاث هذا التهديد من طريق العبور، وهو ما خلق استقطابا و اقصاءا مضاعفًا ذهب بالمتعاطفين إلى فسطاط الأعداء.

ثم ولت الدولة وجهها شطر تنفيذ خطط و مشروعات الجمهورية الأولى جملة واحدة تلك الخطط و المشروعات التي كانت قد أوقفت مراعاة لتأثيرارتفاع معدلات المضي في تنفيذها على حياة المواطنين فتم إيقافها أيضا جملة واحدة.

في ذلك الوقت ظلت الكتلة الصلبة داعمة للوطن تقف كوحدة واحدة تعلي أولوية النهوض بالوطن فوق احتياجاتها و تطلعاتها الشخصية.ثم توالت التحديات العالمية و التي جعلت الدولة تركض خلف أهدافها و انشغلت عن الحفاظ على تماسك تلك الكتلة الصلبة و لم تعد تلتفت لأصواتها و تحذيراتها النابعة من خوفها على الوطن، وبصفتها الكتلة التي دعمت 30 يونيو.

وفي ظل وجود اسئلة و مخاوف مشروعة دون معالجة فقد وجهت طاقتها في الانقسام على نفسها بين مؤيد على الدوام يتغافل عن أي قصور و معارض حق باتت لا تقنعه إجابات المؤيد الدائم حتى بات لا يثق اصلا بأي إنجاز و لا يحتفي به في حالة نهم دائم خلف أسئلة مشروعة تبحث عن إجابة من الدولة.

والخطير في الأمر هنا أن المؤيد الدائم المتغافل قد شرع إلى تخوين المعارض المطعون في ثقته فتولد لدى الفئتين إحساس بالاغتراب الداخلي و برز الخطر الذي يهدد الكتلة الصلبة أو ما يطلق عليه حزب الكنبة و علا صوت الأصوات المختلطة و برز صوت العملاء من جديد لاستقطاب الفئة المصدومة من كتلة 30 يونيو لسرقة انتمائها من جديد و إعادة إنتاج نفس الشريط و لكن بنهاية مأساوية هذه المرة لا قدر الله.

و من هنا بات التدخل حتميا لبناء أرضية مشتركة خالية من الاتهام بالتطبيل أو الاتهام بالتخلي والخيانة و لتكون فائدة رحلتنا معًا هو أن ندرب أنفسنا على تقبل الآراء و الأفكار المخلصة التي تخشى على الوطن بحق كما أنه بات واجبا أن تستهدف الخطابات الرسمية تلك الكتلة بلغة تحترم العقول و تزيل من العقل الجمعي فكرة الاستقطاب و الإقصاء بأن تستمع إلى أصوات المعارضة المدفوعة بحب الوطن و تجيب على أسئلتها لتهدأ مخاوفها و تعيد الثقة بترسيخ الوعي، و تقوم التطرف العنصري للانتماء الاعمى و تمحو فكرة صكوك الوطنية التي باتت بأيدي عابثة تفرق و لا تجمع.

و الحق أقول لكم أن الصوت الرشيد الوحيد الذي ارتفع في خضم هذا الخطر هو صوت بوابة الجمهورية الثانية و فريق عملها و هو ما حثني على الكتابة عن هذا الأمر لنستعيد من سياسية هذه البوابة بعض انتمائنا المسروق و نشد عضدنا بعضد إخوتنا نزرع الأمل و ننتقد الخلل و نتحفي بخطواتنا الناجحة وهو أمر شبيه بحاجة اللاعبين لعودة الجماهير.. هذه البوابة المحترمة أظنها وليس كل الظن إثم بارقة أمل لكتلة 30 يونيو في صورتها الأولى تقوم بدور المسعف لإيقاف هذا النزيف الذي يهدد الجبهة الداخلية و تعالج حمى الانقسام و تشنجات الآراء و تدعو إلى كلمة سواء لا تعلي إلا مصلحة الوطن فتعرض ما تم إنجازه دون أن تبخسه حقه و تحتفي به كما تعرض مخاوف بني الوطن المخلصين حول موضوعات شائكة باحثة عن إجابة موضوعية تزيل المخاوف، و تعيد الثقة المفقودة و تؤكد لتلك الكتلة أنها ما زالت محل تقدير.

وأخيرا..

إذا أردت أن تعرف كيف سرق الانتماء فاعلم أنه كلما تشرذمت الجبهة الداخلية و سجن كل امرئ نفسه في سجن معتقده و لم يثق فيمن يخالفه الرأي فاعلم أن الجميع قد خسر من رصيد انتمائه بالوقوع في فخ التخوين لإخوته في الوطن فكيف ينتمي من لا يأمن بوائق جاره.

حفظ الله مصر و شعبها المرابط ووقانا من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا و من الفتن ما ظهر منها و ما بطن و ارانا الحق حقا و رزقنا اتباعه و ارانا الباطل باطلًا و رزقنا اجتنابه و خلصنا من إهدار طاقتنا في كثرة الكلام و الجدل و أبدلنا طاقة خير منها في البناء و العمل و أفرغ علينا صبرا و جزانا عن صبرنا خير الجزاء في مصرنا الحبيبة و يوم أن نلقاه.

Exit mobile version