أي متابع للأحداث التي تشكل أزمات، يعاني منها الإنسان في هذا الزمان، نجد أن مشكلة بعض متخذي القرار على كل المستويات وفي كل المجالات، أنهم يسيرون في اتجاه مغاير لما يجب أن يكون.
الفقه المفقودأرى أن السبب الرئيسي يرجع إلى أن فقه الأولويات مفقود أو ليس في حسبان بعض متخذي القرار خاصة في مجال الإعلام.
وفي اعتقادي أنه أمر مهم عندما نتعامل باحترافية مع ثقافة إدارة الازمات Crisis Control التي هي أيضا ثقافة غائبة في كثير من المجتمعات التي تعاني من أزمات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو حتى إعلامية ورياضية وفنية ، وكل ما يتعلق بما يسمى القوى الناعمة.
ولهذا أعتقد أننا نحتاج إلى مزيد من الدراسات والأبحاث المتعلقة بفكر التعاطي مع الأزمات وترتيب الأولويات على المستويين الإداري والأكاديمي.
ولهذا سأظل مقتنعا ببديهية، أن الإطار النظري لا يُغني عن الإطار التطبيقي، وكلاهما وجهان لعملة واحدة فمن النظريات نضع أيدينا على قواعد أو أنساق حلول هذه الأزمة أو تلك.
الإعلام وثقافة إدارة الأزمة
اعتقد في ضوء ما تقدم أن الإعلام من المجالات التي تحتاج لثقافة إدارة الأزمات وترتيب الأولويات ، على الرغم من أن طبيعة العمل الإعلامي وخاصة ( إدارة الأخبار) هي أجواء أزمة ، بعبارة أخرى من يعمل في أية غرفة أخبار يؤدي بعمله تحت ضغط الأحداث الجارية التي تتراوح في تقديري بين نوعين من الاحداث ، نوع معروف مسبقا وآخر طارئ يعرف بالخبر العاجل أو Breaking News، وهو بيت القصيد فيما نطرحه.
لأن هذا النوع من الأخبار هو المسئول عن إضفاء أجواء الأزمة التي ينبغي التعامل معها بشكل مهني فإذا تعامل المذيع أو المحرر مثلا مع النوع المعروف مسبقا، بشيء من التراخي فإن درجة الاستعداد ستقل أو ما يسمى الوعي awareness وبالتالي لن يعيش أجواء الأزمة، عند وقوع الخبر العاجل.
المعالجة الإعلامية للأزمة
قام كاتب السطور بتدريس مادة إدارة المؤسسات الإعلامية، عام 2015 في كلية الإعلام بإحدى الجامعات المصرية وركز على فكرة معالجة الأزمات في إدارة الوسيلة الإعلامية، ومن بينها بالطبع الخدمات الإخبارية.
وتوصلت الأبحاث إلى أن الخدمة الإخبارية الأكثر نجاحا، هي التي تضع بدائل مختلفة لإدارة الأزمة، من واقع ما تملك من إمكانات بشرية وفنية، وفي الوقت نفسه إن ترتيب سُلم الأولويات يساهم في تخفيف الأزمات، من منطلق فهم واضح لمبدأ منطقي (الأهم ثم المهم).
وبناء عليه رصدت آليات محددة في إدارة غرفة الأخبار الحديثة من خلال دراسة تحمل اسم (آليات اتخاذ القرار في إدارة الأخبار) نشرت في يناير عام 2014 بمجلة اتحاد إذاعات الدول العربية ( الآسو) وهي مجلة علمية فصلية.
وتناولت الدراسة الخيارات المختلفة أمام منتجي الأخبار التي تتيح التعامل الحاسم مع أسباب الأزمات في تناول الأحداث.
ثورة 30 يونيو نموذجاصدر كتاب عام 2015 بعنوان اللحظات الحاسمة في الفترة من 2011 – 2013 شهادة من قلب ماسبيرو استعرضت فيه عددا من معالجات الأزمة على صعيد السياسات الإعلامية على سبيل المثال وليس الحصر:
محاكمة الرئيس مبارك المعروفة إعلاميا بمحاكمة القرن في أغسطس 2011.
التغطية الخبرية لفاعليات ميدان التحرير والمظاهرات المرتبطة به في الفترة المذكورة.
معالجة حادث الهجوم على مبنى ماسبيرو في أكتوبر 2011 والمعروف بأحداث ماسبيرو.
تغطية إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل إطلاق سراح 1027 من الأسرى الفلسطينيين في بث مباشر على الهواء من حدود رفح المصرية في 18 أكتوبر 2011.
أحداث إستاد بورسعيد في الأول من فبراير 2012.
المؤتمر (السري) الذي اذاعته الرئاسة على الهواء في سنة حكم جماعة الاخوان بشأن سد النهضة 4 يونيو 2013.
تغطية أحداث ثورة 30 يونيو.
الساعات الصعبة التي سبقت إذاعة بيان 3 يوليو 2013.
الخلاصةإن تحديد سلم الأولويات، يساعد على إدراك إحداثيات خريطة الأزمة، بما يمكن من التعامل الآمن – اذا جاز التعبير – مع تداعيات الأزمة، وهو ما يعرف بفقه الأولويات.