يُرتقب إضافة أداة جديدة لرصد الميثان من الفضاء قريباً، إذ تخطط شركة “سبيس إكس” لإطلاق القمر الصناعي “تاناجير-1” اليوم الجمعة.
يُعد هذا القمر الصناعي تابعاً للمؤسسة غير الربحية “كربون مابر” (Carbon Mapper)، التي ستجعل البيانات متاحة فور تشغيله في الأشهر القادمة. يُعتبر “تاناجير-1” القمر الصناعي الثاني في مجال رصد الميثان يتم إطلاقه خلال الأشهر الستة الماضية بواسطة مؤسسة غير ربحية، مما يعكس الاهتمام المتزايد بالغاز الدفيء القوي وتكلفة الأقمار الصناعية المنخفضة مقارنة بالأخرى المستخدمة في مراقبة الغلاف الجوي.
تم تطوير “تاناجير-1” بواسطة شركة “بلانيت لابس بي بي سي” (Planet Labs PBC) باستخدام تقنية “مختبر الدفع النفاث” التابع لوكالة “ناسا”. سيكون القمر الصناعي قادراً على تحديد مواقع تسرب الميثان وثاني أكسيد الكربون من المنشآت الفردية، حيث يتمكن القمر الذي لن يتجاوز حجمه ثلاجة صغيرة، من تحديد مصدر الانبعاثات بدقة تصل إلى 50 متراً.
“كربون مابر” ستركز على رصد “المصادر الكبرى” للميثان، مثل آبار النفط والغاز، ومزارع تربية المواشي الكبيرة، ومكبات النفايات، والمصافي الصناعية. تُعتبر هذه الخطوة الأولى في خطة تحالف “كربون مابر”، وهو شراكة مدعومة من جهات خيرية بين القطاعين العام والخاص، تهدف إلى نشر مجموعة من الأقمار الصناعية لمراقبة ما يصل إلى 90% من المصادر الرئيسية للانبعاثات على مستوى العالم. (حصل التحالف على تمويل من مؤسسة “بلومبرغ للأعمال الخيرية” التابعة لمايكل بلومبرغ، مؤسس ومالك حصة الأغلبية في “بلومبرغ إل بي” التي تتبعها “بلومبرغ نيوز”).
انبعاثات الميثان قياسية
تصدر صناعة الطاقة انبعاثات ميثان قريبة من المستويات القياسية رغم التعهدات بتخفيضها. يخرج ما بين 20% إلى 60% من انبعاثات الميثان من أحواض النفط والغاز الأميركية من 1% من المصادر الفائقة للانبعاثات. يُعتبر الغاز أقوى بنحو 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون على مدى 20 عاماً، ويمكن أن تؤدي الرقابة الأفضل على المصادر الفائقة للانبعاثات إلى فوائد كبيرة للمناخ.
أشار الرئيس التنفيذي لـ”كربون مابر”، رايلي دورين، إلى أن بيانات الانبعاثات العامة يمكن أن تصبح آلية سوقية. يقول: “إذا كان لديك دليل تجريبي على تسرب الميثان من الغاز الطبيعي المسال، فيمكنك حينها التمييز بين المستهلكين والمنتجين للغاز الطبيعي الأكثر مراعاة للبيئة”.
الشركات التي تعمل في بلدان تهدف إلى التخلص من الملوثات في القطاعات ذات الانبعاثات العالية يمكن أن تعتمد على بيانات الأقمار الصناعية لتغيير سلاسل التوريد. في مايو، وافق الاتحاد الأوروبي على قانون سيفرض عقوبات على واردات الغاز الطبيعي المسال التي تتجاوز حداً معيناً من كثافة الميثان بدءاً من عام 2030. كما من المقرر أن تدخل قوانين إضافية لمراقبة والإبلاغ عن كثافة الميثان حيز التنفيذ في عامي 2027 و2028.
يضيف دورين أن البيانات العامة من “تاناجير-1” يمكن أن تساعد في الجهود الأخيرة للحكومة الأميركية لزيادة المساءلة حول الانبعاثات الهائلة للميثان. في يونيو، أعلنت وزارة الطاقة ووكالة حماية البيئة الأميركيتين عن 850 مليون دولار لتمويل الحد من تلوث الميثان الناتج عن النفط والغاز، وفي يوليو أشارت وكالة حماية البيئة إلى نيتها مراجعة معايير الميثان من مكبات النفايات. باستخدام بيانات الأقمار الصناعية، ستتمكن الجهات التنظيمية الحكومية والمنظمات غير الحكومية البيئية والصحفيون والشركات ذات الانبعاثات المفرطة من تحديد الأماكن التي تظهر فيها أعمدة الميثان غير المتوقعة. بالإضافة إلى ذلك، سيحصل الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من حقول النفط والغاز على معلومات أفضل حول متى تهددهم تسربات الميثان.
مسوح جوية ترصد الانبعاثات
تجري “كربون مابر” حالياً مسوحاً جوية لرصد الانبعاثات، والتي استُخدمت لإخطار المنظمين بتسريبات الميثان. يقول دورين: “في حوالي 50% من الحالات، كان أكثر من نصف ما كنا نرصده مجهولاً بالنسبة لهم. نريد أن نوسع هذا العمل على مستوى العالم”.
بينما تقدم المسوح الجوية قياسات دقيقة للغاية، توفر الأقمار الصناعية منظوراً عالمياً يمكنه تتبع الانبعاثات في مناطق خارجية والتي يصعب فيها إرسال الطائرات والطائرات بدون طيار.
خطة توسع “كربون مابر” تعتمد على ميزة رئيسية للأقمار الصناعية التي تتبع الانبعاثات، المتمثلة في التكلفة الفعالة. كانت الأقمار الصناعية التي يمكنها قياس تركيزات الغازات المختلفة في الغلاف الجوي تكلف أكثر من 500 مليون دولار للقمر الواحد، وأحياناً تتجاوز مليار دولار. تم تطويرها وإطلاقها بواسطة “ناسا”، مثل المرصد المداري للكربون، لمساعدة العلماء في الإجابة على أسئلة بحثية محددة.
يقول دانيال جاكوب، الأستاذ في جامعة هارفارد والمتخصص في كيمياء الغلاف الجوي: “لكن إذا كنت تطلق قمراً صناعياً لقياس الميثان وثاني أكسيد الكربون فقط، فهو أرخص بكثير من قمر صناعي يقيس جميع أنواع الغازات”.
أطلقت مؤسسة الدفاع البيئي قمراً صناعياً لتتبع الميثان بدعم من شركة “غوغل” في مارس الماضي بكلفة 88 مليون دولار. كلف “تاناجير-1″، بالإضافة إلى قمر صناعي ثانٍ تعمل عليه “كربون مابر”، مجتمعين 130 مليون دولار.
أثبتت الأقمار الصناعية لتتبع الميثان قيمتها كأدوات مفيدة، إلا أن العديد من الوكالات الحكومية تتردد في استخدامها لتتبع الانبعاثات ووضع اللوائح. يقول جاكوب: “ما زال يبدو الأمر غريباً بعض الشيء. لهذا السبب تفضل وكالة حماية البيئة توفير أشخاص يقومون بالقياسات باستخدام أجهزة يدوية، وهو أمر مزعج في قياس الانبعاثات. لكنهم يفهمونها بشكل أفضل”.
احتجاج شركات النفط والغاز
عارضت شركات النفط والغاز الكبيرة أيضاً -بما في ذلك “بتروليوس مكسيكانوس” (بيميكس)، والشركة الكازاخستانية “بزاتشي نفط”- بيانات الأقمار الصناعية التي تظهر تلوثها. في 2022، نشر الرئيس التنفيذي لشركة بيميكس، أوكتافيو روميرو أوروبيزا، فيديو لنفسه داخل مروحية فوق منصة نفطية يزعم فيها أن الأقمار الصناعية تُظهر بشكل خاطئ تسرباً للميثان.
لكن جاكوب يوضح أن “المصادر الكبيرة تميل إلى أن تكون متقطعة بشكل كبير”. يوفر الرصد بالأقمار الصناعية السبيل الرئيسي لإظهار متى يكون لدى أكبر مصادر للانبعاثات تسريبات ميثان قصيرة، ولكنها ضارة بيئياً.
ومع ذلك، لن يتمكن القمر “تاناجير-1” من توفير مراقبة مستمرة. سيسير في مدار أرضي منخفض على بعد مئات الكيلومترات فوق السطح. يعني مساره أن العودة إلى نفس الموقع فوق الكوكب قد تستغرق أسابيع، أو حتى شهور. خلال هذا الوقت، يمكن أن تحدث تسريبات الميثان، ويتم التعامل معها، وتبقى دون اكتشاف.
يقول جاكوب إن أحد أفضل الحلول لهذه المشكلة هو استخدام الأقمار الصناعية في المراقبة الأرضية. تظل تلك الأقمار الصناعية ثابتة فوق الموقع نفسه تقريباً على ارتفاع 36 ألف كيلومتر فوق سطح الأرض. في مارس، قام العلماء بقرصنة قمر صناعي للأرصاد الجوية في مدار جغرافي ثابت لرصد الميثان بتغطية مستمرة وآنية.
خطة “كربون مابر” لتوسيع برنامج أقمارها الصناعية يمكن أن تقدم حلاً آخر. يقول دورين إن المؤسسة غير الربحية تهدف في النهاية إلى امتلاك أكثر من 10 أقمار صناعية، مما قد يقلل زمن العودة إلى أقل من يوم.