القصة الكاملة لمصنع جواسيس المخابرات الفرنسية في سوريا.. والتى جندت فيه المنشقين والإرهابيين

مصنع الجواسيس الذي تحقق فيه السلطات السورية jpg1687286705

تقرير خاص من سوريا – أشرف التهامى

كشف تحقيق استقصائي فرنسي ارتباط مسؤولين في شركة فرنسية شهيرة لإنتاج الأسمنت في سوريا بالمخابرات الفرنسية، وبناء شبكة تجسس شمالي سوريا على الجماعات المسلحة خلال الفترة من 2011 إلى 2014.

ويدور الحديث حول شبكة تجسس أخرى في دبي يديرها رجل الأعمال السوري، فراس طلاس، صاحب أسهم في الشركة، والذي لجأ إلى باريس مكان إقامته الحالي، منذ مطلع الاضطرابات في سوريا.

وهناك آلاف الوثائق المتعلقة بقضية هذه الشركة الفرنسية الشهيرة التى تعمل في عدة دول عربية، وقابل من كانوا على صلة بالموضوع من عملاء مخابرات، ومسؤولين في المصنع وهرم السلطة بفرنسا.

وافتتحت الشركة مصنعها في قرية الجلبية بشمال غربي سوريا، قرب الحدود التركية في 2010، بعد استثمار 860 مليون دولار.

وأظهر الفيلم أن كبار المسؤولين في مصنع “الشركة الفرنسية للأسمنت” بنوا شبكة تجسس في شمالي سوريا، للحفاظ على مصالح شركتهم التجارية، وفي الوقت نفسه تسريب معلومات عن نشاطات الفصائل العسكرية الإرهابية والمجموعات الجهادية الإرهابية بالمنطقة إلى أجهزة الاستخبارات الفرنسية والأمريكية.

الدواعش سيطروا علي منصع الجواسيس الفرنسيين

وأكد مدير الاستخبارات العسكرية الفرنسية (2013- 2017)، الجنرال كريستوف جومار، في شهادته لفريق التحقيق أن موظفي “الشركة الفرنسية للأسمنت” كانوا مصدرًا مهمًا للمعلومات و”أفادوا بلدهم فرنسا”.

وتكونت شبكة الجواسيس من مدير الأمن في المصنع، جان كلود فيار، المرتبط مع وزارة الدفاع الفرنسية، وعمل تحت إمرته كل من النرويجي، جاكوب وارنيس، مسؤول الأمن بالمصنع، والأردني أحمد جلودي، الذي عمل في ذات المنصب حتى عام 2015.

وكان كلود فيار يزود المخابرات العسكرية وجهاز مكافحة الإرهاب والمخابرات الخارجية الفرنسية بدءًا من منتصف 2011، بتفاصيل عن مقرات بعض الفصائل الجهادية الإرهابية بسوريا وأسماء أفرادها وعناوينهم.

أما الشبكة التي كان يديرها المنشق فراس طلاس (63 عامًا)، فقد كانت تسرب المعلومات عن العديد من الفصائل السورية المسلحة الإرهابية والمقاتلين الفرنسيين الإرهابيين المنضمين لتنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي لدبلوماسي فرنسي في القنصلية الفرنسية بدبي.

ووفقًا للتحقيق، فإن فريق المنشق طلاس كان يحصل على أسماء وأرقام هواتف للاشخاص المستهدفين مقابل أموال يدفعها عند نقاط التفتيش، قائلًا في شهادته إن لديه رجالًا في كل الأراضي السورية يبعثون له المعلومات كل يوم، وإنه أرسل نسخًا عديدة من الفيديوهات لصالح المخابرات الخارجية الفرنسية.

ومقابل هذه “المهمات” كان طلاس يتقاضى شهريًا بين 60 إلى 100 ألف يورو، يدفع منها لعملائه الإرهابيين داخل سوريا، بحسب نوع المهمة.

المنشق مناف طلاس

المنشق طلاس يعترضاعترض المنشق فراس طلاس، ابن وزير الدفاع السوري الأسبق، مصطفى طلاس، على التسمية التي أطلقت على الفيلم الاستقصائي الفرنسي (مصنع الجواسيس)، في منشور ضمن صفحته على “فيس بوك”.

وذكر طلاس أنه خلال فترة عمل المصنع بعد انطلاق الأحداث، أجرى مفاوضات “شاقة” لتأمين حياة العاملين بالشراكة مع إدارة المصنع، في تلك الفترة.

ورفض طلاس تسمية “شبكة علاقاته” في سوريا بـ “شبكة جواسيس”، واعتبرها “إساءة” بحق “الشباب السوري الثائر السلمي من وجهة نظره الذي امتهن العمل السياسي المدني”، بالإضافة إلى علاقاته الواسعة مع أشخاص خلال فترة إقامته في سوريا.

ووصف عمله حينها بمحاولة “دفع الضرر عن محاولات حرف مسار الحراك السلمي لصالح الإرهابيين وعملاء الدولة السورية وأطراف أخرى”، كما اعتبر أن “رصد شبكات الإرهاب وتحجيمها” كانت مصلحة مشتركة سورية- فرنسية- أمريكية.

وأما عن المبالغ التي تلقاها مقابل هذا العمل، اعتبر المنشق طلاس الحديث عنها نوعًا من “الشفافية”، ووصفها بـ”المبالغ العادية جدًا” لتغطية نفقات عمل أمني ولوجستي مماثل، مقارنًا إياها بـ “الثروة التي تركها خلفه في سوريا ليصادرها رئيس الدولة السورية بشار الأسد عندما اختار طلاس “موقف الضمير” على حد تعبيره.

تحقيق قضائيفقدت “شبكات التجسس” التابعة للمصنع “الفرنسى” فعاليتها، في سبتمبر 2014، حين سيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابية على مصنع الأسمنت.

وبعد ستة سنوات من التحقيق توصلت الشرطة القضائية إلى أن المصنع “الفرنسي” مكّن التنظيمات المسلحة الإرهابية من الحصول على ما يتراوح بين مليونين وسبعة ملايين يورو، دفعها كرشاوى لزبائن المصنع، وكقيمة لأطنان الأسمنت التي تركت في سوريا.

كما أصدرت السلطات الفرنسية عام 2017، مذكرة اعتقال بحق المنشق فراس طلاس للاشتباه به في “تمويل الإرهاب”.

المدير التنفيذي للشركة “الفرنسية”، برونو لافون، في مقابلة مع صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية، في مارس الماضي، اتهم الاستخبارات الفرنسية بـ”اختراق” فرع الشركة خلال تلك الفترة.

وقال برونو لافون الذي أدار الشركة المصنعة للأسمنت حتى عام 2015، “نعلم أن هناك علاقة خاصة بين الدولة الفرنسية واستخباراتها، وشركتنا ومن أسباب اهتمام الدولة الفرنسية بنا أن موقع المصنع كان حقًا استراتيجيًا للتحالف المناهض للإرهاب وفرنسا على حد قوله، لذلك أعتقد أن السلطات شجّعتنا على الأقل على مواصلة نشاطنا في سوريا”.

وأكد أنه لم يعلم باختراق الشركة، زاعمًا أنه لم يكن يعلم أي شيء عن المدفوعات لجماعات مسلحة إرهابية وأنشطة الدولة في المصنع.

أعلنت الشركة “الفرنسية” في نوفمبر 2022، التي استحوذت عليها مجموعة “هولسيم” السويسرية عام 2015، أنها وافقت على دفع غرامة مالية قدرها 778 مليون دولار في الولايات المتحدة، والإقرار بالذنب لمساعدتها منظمات “إرهابية” من بينها تنظيم “الدولة” الإرهابي بين 2013 و2014.

هرب لفرنسا بعدما حمته المخابرات الفرنسية عقب انكشاف دوره

المنشق مناف طلاس مؤسس حركة التحرير الوطني المعارضيُعدّ المنشق مناف طلاس واحداً من أرفع القادة العسكريين الذين انشقّوا عن الجيش السوري وأعلنوا ولاءهم للمعارضة الإرهابية ، وأوّلَ قائد ينشقّ في الحرس الجمهوريّ السوري.

يتحدّر المنشق طلاس من أسرة سنّيّة ثريّة من مدينة الرستن، وهو نجل وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس الذي خدم طويلاً في عهد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد. كان المنشق مناف صديق طفولة للرئيس السوري بشار الأسد، وعميداً في الحرس الجمهوري، أي قوّات النخبة في الجيش السوري. انشقّ في 5 يوليو 2012، وهرب مع أسرته إلى باريس. وفي شريطٍ بثّته قناة العربية السعودية بتاريخ 24 يوليو 2012، دعا طلاس السوريين إلى التوحّد لبناء سورية الحرّة والديمقراطية دون هدم النسيج الاجتماعي” للبلاد.

يُنظر إلى المنشق طلاس منذ انشقاقه كشخصية قيادية محتملة في المعارضة السورية الإرهابية ، وأُثيرت تكهّنات تفيد أنّه قد يضطلع بدور قيادي واضح في الجيش السوري الحر الإرهابي، الجماعة الرئيسة للمعارضة المسلّحة الإرهابية غير الإسلامية، وحتى في سورية في مرحلة ما بعد الرئيس بشار الأسد.

على الرغم من هذه التكهّنات المستمرة، يتحاشى المنشق طلاس جذب الانتباه إليه.

ويرى بعض المراقبين أنّ مكانه في الدولة السورية القديم وعلاقة أسرته بأسرة الرئيس الأسد يجعلانه أكثر قبولاً لحليفَي الدولة السورية الدوليَّين الرئيسَين وهما إيران وروسيا. لكنّ آخرين يرون في هذين الاعتبارين، إضافة إلى علمانيّته وثروة أسرته الطائلة، عوامل من شأنها أن تجعل المنشق طلاس غير مقبول في صفوف جماعات المعارضة الشعبوية والإسلامية (الإرهابيتين) إلى حدٍّ كبير.

في منتصف العام 2013، سرت شائعات مفادها أنّ المنشق طلاس كان مرشّحاً لقيادة الجيش الوطني” الإرهابي الجديد الذي يعتزم إنشاءَه الائتلافُ الوطني الإرهابي لقوى الثورة والمعارضة السورية الإرهابية، ، وأنه اجتمع مع مسؤولين إسرائيليين و أمريكيين في الأردن . ومع ذلك، رفض عضوٌ بارز في الائتلاف الوطني الإرهابي إمكانية أن يتولّى المنشق طلاس قيادة الجيش الوطني الإرهابي، قائلاً إنّ المنشق طلاس غير مقبول لدى (الإرهابيين).

By

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *