سؤال قد يكون خبيثاً وقد يكون بريئاً, صار يتردد كثيراً وخاصة في أوساط الشباب العربي.سؤال يرتبط بما تشهده منطقة الشرق الأوسط من أحداث تدور اليوم بين الكيان الصهيوني- تلك العصابة التي تحتل من الأراضي العربية ما تحتل- وبين تنظيم مسلح للمقاومة الفلسطينية ” حماس” , وتدور تلك الأحداث في قطاع غزة, ذلك القطاع المنعزل… من الدولة الفلسطينية المحتلة .ذلك السؤال الدائر عن دور الدولة المصرية وماذا قدمت للقضية الفلسطينية؟أحياناً يتم إلقاء هذا السؤال من شاب برئ لا يعرف تاريخ المنطقة بشكل جيد, وغالباً يكون سؤالاً خبيثاً يحمل بين حروفه سموماً واغراضاً لأجهزة أمنية لا يمكن وصفها بالصديقة.دعوني أضع بين أيديكم وجهة نظري المتواضعة كشابة مصرية في عشرينيات عمرها, تربت ونضجت في أحد مراكز المدن المصرية الصغيرة, وكان التحصيل المعرفي والثقافي هو صديق دربها منذ الطفولة, وعاصرت أحداث ثورات الربيع العربي. طفلة لا تكاد تفهم ما يدور من حولها, وأصرت أن تقرأ وتسأل الكبار لتفهم وتعي ما يحاك في ليل لوطنها وللأمة العربية من حولها.ففي حين امتنعت دول “عربية” أعضاء في الأمم المتحدة عن التصويت لصالح قرار وقف إطلاق النار لحماية المدنيين العزل من السلاح في قطاع غزة, نجد كلمة وقرار مصر الداعم للقضية, وفي حين أرسلت دول العالم مجتمعة ومعها الدول “العربية” النذر اليسير من المساعدات الانسانية لأهالي غزة, نجد مصر – برغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة- قد ساهمت بما يزيد عن ال ٧٠ بالمائة من المساعدات,مقتطعة من قوت شعبها – المؤيد للقضية الفلسطينية- الذي يعاني من غلاء فاحش للأسعار, ذلك الشعب الذي توارث في جيناته كرم الأجداد وبسالتهم, وفي حين راح ملوك وأمراء عدة دول عربية لمواسم الترفيه واللهو, كان الرئيس المصري يواصل اتصالاته ليلاً ونهاراً مع قادة العالم شرقه وغربه لحشد التأييد العالمي لدعم المدنيين وايقاف آلة الحرب,وفي حين تنتشر القواعد الاجنبية في أراضي الأمة العربية, ترفض مصر اي تواجد عسكري علي ارضها, وفي حين راحت مصانع السلاح في دول الغرب تنتج وتبيع السلاح وتنعش خزائنها بمليارات الدولارات, راحت مصر تجود بما لديها لتمرر المساعدات للفلسطينيين المحاصرين في أراضيهم.وفي حين اهتمت دول العالم بتأمين خروج رعاياهم من بؤرة الصراع, كان هم الدولة المصرية علاج المصابين من أبناء الشعب الفلسطيني المنكوب.إن مصر لا تبحث عن ال “الشو” الإعلامي ولا مجالس ومؤتمرات هي أقرب للمكلمة منها للقرارات والأفعال…ففي حين إجتمع قادة العرب ليشجبوا ويدينو ما يحدث كعادتهم, كانت مصر بامكانياتها الإقتصادية الشحيحة تطعم وتسقي وتعالج وتفرض إرادتها علي ساحة الصراع.وفي حين يتكلم العالم عن وقف القتال ولو مؤقتاً,كانت ولا تزال تنادي مصر بدولة فلسطينية علي حدود يونيه ٦٧.وفي حين يختلف ويتصارع العرب وتتناحر الفصائل الفلسطينية – كعادتها- نفسها (السلطة الفلسطينية, منظمة فتح, منظمة حماس..الخ), نجد مصر تقف خلف المدنيين الفلسطينيين العزل.وإذا انتقلنا للتاريخ… فقد قدمت مصر منذ إعلان قيام دولة الإحتلال ١٩٤٨ وحتي اليوم ما يزيد عن ٣٠٠ الف روح من أرواح ابنائها ما بين شهيداً ومصاباً, دعماً ودفاعاً عن قضية الشعب الفلسطيني,كما استضافت عشرات وعشرات الآلاف من الفلسطينيين علي أراضيها, ليس كلاجئين كما تفعل دول العالم, وإنما أخوة, لهم من الحقوق ما هو مساو لأبناء مصر .وفي حين كان العرب يحصوا ثرواتهم المتزايدة من بيع النفط للغرب, بل ويستثمروا تلك الثروات في دول الغرب -الذي يستخدم تلك الثروات لإنتاج السلاح الذي يمنحه للكيان المحتل ليقتل أصحاب القضية- كانت مصر تحصي قتلاها في تلك الحروب, وتحارب في دهاليز السياسة ليعترف العالم بوجود دولة تدعي فلسطين, ونجحت في ذلك أعوام ١٩٧٤, ١٩٧٦ من الجمعية العامة للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية علي التوالي,إن مصر حين وقعت معاهدة السلام مع الكيان المحتل قاطعها العرب وانقلبوا عليها, برغم انه كان من شروط مصر حل القضية وعودة الحق لأصحابه وإقامة دولة فلسطينية,ونجد اليوم العرب يعاهدون المحتل بلا مقابل يحسب للفلسطينين.وفي خضم ثورات الربيع العربي والتي تأججت في مصر ايضاً, وكمصريين ندرك تماماً الدور الحمساوي التخريبي والذي كان وقتها ضد الشارع المصري, وكانت الدولة المصرية في اوج ضعفها, إلا أن الدولة المصرية لم تكن تهتم لنفسها فقط كباقي الدول التي اندلعت بها الثورات, بل كانت تعمل علي مصالحة الفصائل الفلسطينية المتناحرة,دعماً لوحدة الصف الفلسطيني التي نراها اليوم لا زالت متناحرة صراعاً علي سلطة واهية لدولة محتلة بلا موارد تقريباً.وفي حين انفق حكماء العرب مليارات المليارات على لاعبين كره القدم وشراء نوادي إنجليزية ودفع الرشاوي من أجل إستضافة فعاليات رياضية, ضخت الدولة المصرية بإمكانياتها المالية المحدودة حوالي 500 مليون دولار من أجل إعمار غزه .ان إجابة هذا السؤال البرئ الخبيث تكتب في مجلدات وليس في بضعة سطور,وما هذه الكلمات سوى غيض من فيض,ومن يريد التفاصيل فعليه أن يتعب أصابعه قليلاً علي شاشة هاتفه ليبحث ويعرف الحقيقة والتاريخ, قبل أن يشرع لسانه بكلمة عن دولة وشعب أقل ما يقال عنهم أنهم قدموا ولا زالوا أكثر بكثير جداً من كل ما قدمه العالم للشعب الفلسطيني.إن السؤال الخبيث ” ماذا قدمت مصر للقضية الفلسطينية؟” إنما يريد أصحابه الأصليين أن يفرضوا علي الدولة المصرية إتخاذ قرار التدخل العسكري في الصراع الدائر علي حدودها الشرقية.وأن تتحمل مصر وحدها تبعات هذا القرار من إنهيارات إقتصادية وإجتماعية وعسكرية وغيرها من التبعات.إن إتخاذ قرار الدخول في الحروب ليس بالسهولة التي يتصورها البعض, فقرار الدولة لدخول الحرب يختلف اختلافاً كثيراً عن قرارك في دخول “خناقة” مع جارك الخارج عن القانون.ولعلك ياعزيزي وجدت إجابة سؤالك بين سطوري, وتعرف وتتيقن أن مصر تقدم دائماً ما لا يستطيع احد تقديمه حتى في أحلك الظروف.
صحيفة إلكترونية اخبارية متخصصه فى الشئون العربية واهم الاخبار