إعداد: أحمد التلاوي
لا يخلو أي نشاط بشري من تحديات تواجهه، وتعتبر القضية الأساسية للدولة في هذا الإطار، توفير أكبر قدر ممكن من الأدوية والمستحضرات الطبية في مصر من خلال التصنيع المحلي، وبأقل قدر من العبء المالي على المواطنين.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية التي ترتبت على جائحة “كوفيد – 19″، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، كانت المعادلة الصعبة هي الموازنة بين الحد الأدنى للعوائد الاستثمارية التي تسمح لشركات الأدوية بالاستمرار في العمل، ومراعاة البُعد الاجتماعي لدى المواطنين.
إلا أن اعتبارات الربحية الحاكمة عند الكثير من شركات الأدوية قد تدفع بعضها إلى ممارسات غير قانونية تحاول الجهات الرقابية التابعة لوزارة الصحة، وغيرها من الهيئات المعنية في الحكومة المصرية مواجهتها.
وأشارت مصادر خاصة في بعض شركات صناعة الأدوية وشركات التوزيع في مصر، إلى ظواهر وممارسات سلبية في هذا القطاع، أدت إلى ضعف المعروض، وفي بعض الأحيان اختفاء بعض أصناف الأدوية من السوق.
ممارسات بعض شركات الأدوية للتلاعب بالأدوية
– التلاعب في أرقام الإنتاج، بحيث لا يتم طرح كامل الإنتاج، وتخزين بعضه في أماكن تخزين غير مدرجة على قوائمها الرسمية، بينما لا يتم تعبئة كامل الإنتاج من أجل الضغط على الحكومة لرفع الأسعار.
– إعادة طرح منتجات منتهية الصلاحية يتم تعديل تاريخ صلاحيتها.
ومن بين الشركات التي تشير مصادر “الجمهورية الثانية” ونتحفظ على ذكر أسماء الشركات ولكن سنعلنها للجهات المختصة عند طلبها ونكتفي بالحرف الأول للشركة، إلى أنها تقوم بهذه النوعية من الممارسات، شركة “آ” وشركة”A”– مشكلة جودة المواد الفعَّالة في الأدوية، وهذه مسؤوليتها مشتركة بين إدارات بعض الشركات المصرية وبين بعض المورِّدين الصينيين والهنود.
فما يحدث هو أن الموردين الصينيين والهنود يتقدمون بعَيِّنات جيدة من المواد الفعالة، وحاصلة على الإجازات المطلوبة، بينما ما يتم تسليمه لا يكون بنفس نوعية العَيِّنات، وبينما تدقق بعض الشركات في كامل المادة الفعَّالة، لا تفعل شركات أخرى ذلك.
ويظهر هذا في مدى فاعلية بعض نوعيات المضادات الحيوية المتشابهة في مكونات المادة الفعَّالة، مثل أحد المضادات الحيوية ألف مللي جرام الذي تنتجه أحدى الشركات، وبديله الذي تنتجه شركة اخرى، حيث ان الاول أكثر فاعلية برغم أن كلا الدواءَيْن يتكونان من ذات المواد الفعَّالة، “أموكسيسيللين” (500)، و”فلوكلوكساسيللين” (500).
“الموضوع ليس تلاعبًا في المواد الفعَّالة بقدر ما هو تلاعب في الدراسات التي تثبت كفاءة هذه المواد.
في بعض الأحيان، المرضى يتعاطون حبوب نِشَا بالمعنى الحرفي”.. هكذا قال أحد مصادرنا الخاصة التي على اطلاع على ذلك في إحدى الإدارات الفنية بإحدى شركات الأدوية.بينما أشار مصدر آخر إلى أنه مع تشديد الجهات الحكومية الرقابية لإجراءاتها، قد تقوم بعض الشركات بإجراءات للحيلولة دون اكتشاف هذه التلاعبات.
وأشار المصدر إلى أن هناك شائعات بأن الحريق الذي اندلع في مصنع شركة (A) في المنطقة الصناعية بمدينة السادس من أكتوبر، كان مفتعلاً “علشان كان جاي تفتيش للمصنع، وفيه حاجة مش عايزين التفتيش يطَّلِع عليها”.
وأضاف المصدر أنه في الغالب كانت منتجات منتهية الصلاحية، يتم تعديل تاريخ صلاحيتها وطرحها مرة أخرى في الأسواق، معتمدين على أن انتهاء تاريخ الصلاحية في كثير من الأحيان لا يعني تلف الأدوية، بل يعني أنها أصبحت فقط غير فعَّالة.
ويقول المصدر: “لكن دول محترفين جدًّا جدًّا جدًّا.. محدش عارف يمسك عليهم حاجة من ساعة ما بدأوا سنة 2015، خاصة إن التفتيش مهما ييجي، بياخد عينة عشوائية، ومش هيقدر يفتش بنسبة 100%، وغالبًا بيتم تجهيز العينة للتفتيش بشكل مناسب”.
واقترح المصدر بأن يتم تفعيل منظومة بلاغات مقابل مكافآت مثلاً، أو ما شابه، لأنه من دون وجود مصادر داخل مثل هذه النوعية من الشركات – يقول المصدر – لن يمكن الإمساك بشيء ملموس.
على هذا النحو، تواجه الدولة الكثير من التحديات من أجل تأسيس قطاع أدوية سليم بساقَيْه الأساسيتَيْن؛ التصنيع والتجارة والتوزيع.
تتنوَّع هذه التحديات بين ما هو اقتصادي، متعلق بأسعار المواد الخام، وتحسين بيئة البحوث العلمية الطبية، وفتح أسواق جديدة في الخارج، وما هو إداري على المستوى الداخلي، والتي يصل بعضها إلى مستوى الفساد التي تخوض الأجهزة الرقابية معركة حقيقية في مواجهته.
ولكن، وفوق ما تقوله الأرقام المتحققة في عشر سنوات، بين العامَيْن 2014م، و2024م، فإن الدولة في طريقها إلى إحكام قبضتها على هذا القطاع، الذي يعتبر من صميم أولويات الأمن القومي لأي دولة.