اكتسب موضوع بناء الشخصية والتربية الأخلاقية اهتمامًا متزايدًا في الأنظمة التعليمية في جميع أنحاء العالم، ويتزايد الاهتمام يوماً بعد يوم بهذا الموضوع الحيوي، وقد نفذت العديد من البلدان مبادرات وطنية لتعزيز بناء الشخصية في المدارس، ومن هذه الدول المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، سنغافورة ، استراليا واليابان.كما تولي منظمات دولية مرموقة مثل اليونسكو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية اهتماماً بالغاً بهذا الموضوع، كما اطلقت مصر مبادرة قومية تحت رعاية رئيس الجمهورية هي مبادرة “بداية” وتنصب جهود المبادرة على بناء الإنسان. ويسلط المقال الضوء على بعض الآليات من مختلف الأنظمة التعليمية لتعزيز وترسيخ بناء الشخصية.إن التربية الأخلاقية هي عملية تربوية تهدف إلى تعزيز القيم والمبادئ الأخلاقية لدى الأفراد، مثل الصدق، الأمانة، الاحترام، المسؤولية، والتعاطف، كما تساهم في بناء شخصيات متوازنة وقادرة على التعامل مع التحديات اليومية بطرق إيجابية. تعتبر التربية الأخلاقية جزءًا مهمًا من تطوير الأفراد والمجتمعات، لأنها تسهم في تعزيز الوعي الأخلاقي والاجتماعي لدى الطلاب، مما يمكنهم من اتخاذ قرارات صائبة وتحمل المسؤولية في حياتهم الشخصية والمهنية.كذلك فهي تساعد في تقوية العلاقات الاجتماعية وبناء مجتمع أكثر ترابطًا وتعاونًا، حيث يتعلم الأفراد احترام الآخرين وفهم حقوقهم وواجباتهم. ومن خلال التربية الأخلاقية، يتم توجيه الأفراد ليصبحوا قادة مستقبليين يتحلون بالقيم الإيجابية، مما يؤدي إلى بناء مجتمع أفضل وأكثر استدامة.في مصر القديمة، كانت التربية الأخلاقية جزءًا أساسيًا من نظام التعليم والثقافة ، واعتمدت حضارتنا المصرية على مجموعة من المبادئ والقيم التي تهدف إلى بناء مجتمع متوازن ومستقر. كانت قوانبن “ماعت” (العدالة والحقيقة والنظام) هي الأساس الأخلاقي الذي يعكس القيم العليا التي يجب أن يتبعها الفرد والمجتمع، وفي التعليم المصري القديم تم تعليم الأطفال والشباب قيم مثل الصدق، الأمانة، الاحترام، والعمل الجماعي، وكانت التربية الأخلاقية ضرورية للحفاظ على النظام الاجتماعي وضمان السلام والتناغم بين أفراد المجتمع. كانت النصوص التعليمية مثل “تعاليم بتاح حتب” و”تعاليم آني” تحتوي على دروس أخلاقية توجه الأفراد إلى السلوك الصالح واحترام الآخرين، مما يظهر الأهمية الكبيرة التي أولتها الحضارة المصرية القديمة للتربية الأخلاقية كجزء من التنمية الشخصية والمجتمعية.في العصر الحديث، وعلى الرغم من التحديات والمشكلات التي تواجهها المملكة المتحدة، والتي منها مشكلات أخلاقية، كانت من اوائل الدول التي نفذت مبادرات بناء الشخصية في السنوات الأخيرة، وذلك لما لاحظوه من تدهور في المجتمع.ففي عام 2019، أصدرت وزارة التعليم في المملكة المتحدة إطار عمل تعليم الشخصية الذي يوفر إرشادات للمدارس حول كيفية بناء الشخصية، ويحدد هذا الإطار ستة معايير للمدارس لتقييم وتطوير الشخصية، ويتضمن التدقيق الدوري على المدارس تقييم برامج بناء الشخصية والتربية الأخلاقية كجزء إلزامي من معايير التقييم، وقد حفز هذا المدارس على إعطاء الأولوية لبناء الشخصية. وفي الولايات المتحدة توفر المنظمة الوطنية لبناء الشخصية الموارد والتدريب للمدارس التي تنفذ برامج تعليم الشخصية الشاملة، كما تقدم شهادة معتمدة للمدارس في ذلك. أما سنغافورة فجعلت من تنمية الشخصية محورًا رئيسيًا لمنهجها الوطني، حيث أعدت برنامج تنمية الشخصية والمواطنة (CCE) في عام 2014، وهو موضوع متخصص يتم تدريسه على جميع مستويات نظام التعليم في سنغافورة. ويهدف إلى تعزيز القيم والكفاءات الاجتماعية والعاطفية ومحو الأمية المدنية لدى الطلاب.أما الحكومة الأسترالية فقد عززت تعليم القيم في المدارس، ووفرت الأطر والموارد للمدارس لدمج القيم وتنمية الشخصية في مناهجها الدراسية. كذلك اليابان التي تبرع في التعليم الأخلاقي (دوتوكو) والذي يركز على تنمية الشخصية والأخلاق والمسؤولية الاجتماعية.عالمياً، تضمن عمل اليونسكو في مجال تعليم المواطنة العالمية عناصر من بناء الشخصية والقيم، بهدف تعزيز مفهوم المواطنين المسؤولين اجتماعيًا. كما انتهجت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نفس النهج، فقد أجرت أبحاثًا وقدمت توصيات سياسية بشأن تنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية في أنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم. تعكس هذه المبادرات اعترافًا عالميًا متزايدًا بأهمية تعليم وتدريس بناء الشخصية ودور ذلك في إعداد الطلاب للحياة بعد انتهاء الدراسة، ورغم اختلاف الأساليب، فإن هناك تركيزاً مشتركاً على تطوير سمات الشخصية الإيجابية والقيم والمهارات الاجتماعية والعاطفية لتعزيز النمو الشخصي والمواطنة المسؤولة.وللحديث بقية بإذن الله.
صحيفة إلكترونية اخبارية متخصصه فى الشئون العربية واهم الاخبار