متابعة: نسرين طارق
على مدار عقود من الزمن سعت اسرائيل بطرق مختلفة الى تفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها عن طريق المحاولات المتكررة لتهجير الفلسطنيين من الأراضي الفلسطينية الى دول الجوار لتفريغ القضية من أهلها، القضية الفلسطينية في الأساس قضية أرض محتلة.
حذر الرئيس عبد الفتاح السيسي، (الأربعاء)، من استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة، وما لها من تداعيات أمنية وعسكرية يمكن أن تخرج عن السيطرة.
كما حذر السيسي من مخاطر فكرة تهجير الفلسطينيين وقال إنها ستكون تصفية للقضية، وصاحب ذلك دعوات شعبية في كل أنحاء مصر لتظاهرات تضامنية مع الشعب الفلسطيني ورفض لفكرة التهجير التعسفي لدول الجوار.
كما صعدت القاهرة على المستوى الرسمي من رفضها لمخططات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
وأشار خلال استقباله المستشار الألماني، أولاف شولتس، في مؤتمر صحفي، إلى أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء “يعني نقل القتال إليها وستكون قاعدة لضرب إسرائيل”.
وأوضح السيسي أن الأمر لن يقتصر على تهجير الفلسطينيين من غزة، بل سيمتد إلى تهجيرهم أيضا من الضفة الغربية إلى الأردن، وأشار إلى أنه “من الممكن نقل الفلسطينيين إلى صحراء النقب حتى تنهي إسرائيل عمليتها في غزة”.
وأعلن السيسي حالة الحداد العام في أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أيام، على أرواح ضحايا المستشفى المعمداني بقطاع غزة، وعلى جميع الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني.
وأشار السيسي إلى أن “العملية العسكرية” التي ترغب إسرائيل من خلالها بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء لتصفية الجماعات المسلحة في غزة قد تستغرق سنوات لم يتم تحديدها بعد وبالتالي في هذه الحالة تتحمل مصر تبعات هذا الأمر وبالتالي تتحول سيناء إلى قاعدة للانطلاق بعمليات إرهابية ضد إسرائيل وتتحمل بموجبها مصر مسؤولية ذلك الأمر.
ونوه السيسي إلى أن مصر بها 105 ملايين نسمة والرأي العام المصري والعربي يتأثر بعضه ببعض، وإذا استدعى الأمر أن نطلب من الشعب المصري الخروج للتعبير عن رفض هذه الفكرة، فسوف نرى ملايين من المصريين يخرجون للتعبير عن رفض الفكرة ودعم موقفنا في هذا الأمر.
كما شهدت محافظات مصر أمس ومقرات الجامعات المختلفة مظاهرات داعمة للموقف الرسمي الرافض لتهجير الفلسطينيين والتضامن مع قطاع غزة.
صحراء النقب.. البديل المقترح
صحراء النقب تلك المنطقة التي طالما كانت دائما النموذج المطروح في مشروعات تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، أو أحد البدائل في مشروعات تبادل الأراضي.
صحراء النقب التي وصفها الرئيس السيسي كوجهة محتملة لنقل فلسطيني غزة إليها حتى تنتهي المواجهات المسلحة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل.
طرحت فكرة “صحراء النقب” للمرة الأولى على الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وقوبلت الفكرة حينها بالرفض، كما طرحت فكرة تبادل الأراضي مجددا عام 2000 على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقابل التنازل عن 600 كم مربع من أراضي الضفة الغربية لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، لكن عرفات رفض أيضا.
حدود صحراء النقب
تمتد صحراء النقب من المنطقة الجنوبية للأراضي الفلسطينية المحتلة بمساحة تزيد على 14 ألف كيلومتر مربع، ما يمثل تقريبا أكثر من ثلث مساحة فلسطين المحتلة، وتشترك حدودها مع الأردن شرق وصحراء سيناء غربا، ويفصلها عن البحر الأحمر ميناء إيلات من جهة الجنوب، أما من جهة الشمال فتعد مدينة الخليل (جنوب الضفة الغربية) من أقرب المدن الفلسطينية إليها.
الخدمات في صحراء النقب
تبلغ مساحة صحراء النقب 40 بالمئة من فلسطين المحتلة، تضم عدة مدن وتجمعات سكانية فلسطينية ورغم مساحتها الشاسعة؛ فإن عدد السكان بها محدود، يعيشون في 46 قرية، منها 36 لا تعترف بها سلطات الاحتلال، أشهرها بئر السبع، ويتراوح تعداد سكان الواحدة منها بين 400 و 5000 مواطن.
وبحسب تقارير إعلامية فلسطينية، فإن التجمعات العربية في صحراء النقب تعاني إهمالا واضحا من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
على الرغم من ذلك إقامت إسرائيل مشروعات استيطانية وعسكرية في مناطق محدودة من تلك المنطقة، أبرزها مفاعل ديمونة النووي.
وصف المنطقة
منطقة صحراء النقب فقيرة من حيث الموارد، وما تتمتع به من إمكانات يحتاج إلى تكلفة كبيرة لاستغلاله، وذلك للرغبة الإسرائيلية المتكررة في عدم لفت الانتباه للصحراء كبديل للفلسطينيين، في مقابل الحصول على أراض أكثر فائدة لمشروعات الاستيطان الإسرائيلية، وكذلك لخدمة مشروعات تهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار.
تنحدر معظم قبائل النقب من قبيلة الترابين والتياها والعزازمة والجهالين والقديرات والظُلام وبعض القبائل الأخرى، وتعتبر طبيعة المنطقة صحراوية جافة باستثناء الجزء الشمالي (بئر السبع).تتميز النقب بمناخها الصحراوي وقلة سقوط الأمطار والتباين الكبير بين حرارتي الليل والنهار وانخفاض الرطوبة.ترتفع الحرارة فيها صيفاً إلى 50 درجة مئوية، وتنخفض شتاءً فتصل إلى 7 درجة مئوية.للعرب البدو مدن وبلدات وقرى وتجمعات يقيمون فيها خصوصا في مناطق قضاء بئر السبع كمدينة رهط وتل السبع وشكيب واللقية وحورة وكسيفة وعرعرة وقرى أخرى وعددها أكثر من 10 مدن و160 قرية مثل بئر هداج الأعسم وغيرها الكثير، ويبلغ تعداد البدو في منطقة النقب 317 ألف نسمة.عدد كبير من سكان النقب هم من البدو العرب الذين بقوا في هذه المنطقة بعد حرب 1948.تحاول الحكومة الإسرائيلية بناء مستوطنات لليهود القادمين من الشرق خاصة دول العالم النامية فيها وهذا بهدف منع البدو من تشكيل قوة خطر تهدد أمن الدولة.
الهدف الإسرائيلي
هدف إسرائيل الدائم هو التخلص من العبء السكاني للفلسطينيين إلى دول الجوار، من خلال تهجير سكان غزة إلى مصر، وسكان الضفة إلى الأردن، تخشى إسرائيل إعادة نشر تجمعات فلسطينية جديدة على حدودها.
السيناريوهات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين
في 2008 روجت إسرائيل بزعامة إيهود أولمرت لمشروع قائم على تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء من أجل تغيير الطابع الديموغرافي للقطاع.
المشروع يتضمن إعادة توطين الفلسطينيين في منطقة تمتد من العريش بعرض 20 كم حتى الجنوب لتصبح بمرور الوقت وطنا بديلا لإجهاض القضية الفلسطينية.
وكان الموقف المصري من المشروع الرفض القاطع، وضرورة الحفاظ على الحقوق الفلسطينية المشروعة، وعدم تفريغ القضية من أهلها.
في مطلع عام 2010 نشر مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، جيورا إيلاند، دراسة أشار فيها إلى أن مملكة الأردن الجديدة هي وطن الفلسطينيين، وينبغي أن تتكون من ثلاثة أقاليم تضم الضفتين الغربية والشرقية وغزة الكبرى التي ستأخذ جزءا من مصر.
ذكر أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، ووزير خارجية مصر خلال الفترة من 2004 وحتى 2011، في مذكراته التي صدرت عام 2012 تحت عنوان “شهادتي”، رصد لواقعة طرح إسرائيل لمشروع تبادل الأراضي، الذي تضمن تخصيص مصر مساحات من الأراضي في سيناء للفلسطينيين، في مقابل تسليم إسرائيل أراضي لمصر في صحراء النقب.
وأشار إلى أن تلك المقترحات سبق طرحها على الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، وأعيد طرحها على الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي قابل المقترح برفض شديد، موصيا مسؤولية قائل: إياكم والوقوع في هذا “الفخ”.
في عام 2013 جمع لقاء بين الرئيس الراحل محمد مرسي مع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري لتقديم عرض إسقاط ديون مصر مقابل توطين الفلسطينيين في سيناء.
وبرغم نفي الرئيس المصري وقتها، إلا أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، كشف في عام 2018 عن أنه كان هناك ترتيب لتوطين جزء من الفلسطينيين في سيناء، ضمن دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة، اثناء تولى محمد مرسي حكم مصر.
مشروعات التهجير وتبادل الاراضي مطروحة منذ فترة طويلة، لكهنا لم تكن جادة، فالهدف الإسرائيلي الدائم كان التخلص من العبء الديموغرافي الفلسطيني عبر إزاحة السكان باتجاه دول الجوار، وهو ما قوبل برفض مصري وأردني متكرر، كما أنه مرفوض إقليمياً ودولياً، باستثناء أمريكا.
المشروع الفاشل
مشروع تهجير الفلسطينيين محكوما عليه بالفشل وطرحه مجددا عبارة عن بالون اختبار، فقد تلقت إسرائيل والولايات المتحدة ردا حاسما رسميا وشعبيا من مصر على ذلك من قبل.
حل القضية ليس على حساب مصر وأمنها.