إعداد: نسرين طارق
كلمة” لا” ليست كلمة مفردة.. انها جملة معانى للتعبير عن الرفض وان الامر غير مناسب، وغيرها من التعبيرات، لكن تحتاج الى تدريب لمعرفة كيف ومتى تقول “لا” بوعي وليس لمجرد الرفض والعناد، “لا” من أهم المهارات الحياتية التي يجب علينا تعليمها لأطفالنا منذ الصغر.
من الضروري أن نعلم أطفالنا أن بإمكانهم رفض شيء لا يناسبهم، وبالمثل يحق للآخرين فعل الأمر نفسه.
يمكننا في البداية تعليم الأطفال استخدام هذه المهارة لحماية ألعابهم المفضلة من عبث الأطفال الآخرين، وهو ما يساعدنا في حماية حدودنا الشخصية فيما بعد.
كلمة “نعم” ليس إلاّ صعوبة في قول “لا”
عندما نقول “نعم” وفي داخلنا نريد ان نقول “لا” يمثل ذلك عبء نفسي كبير علينا، وتعد هذه مشكلة نفسية كبيرة فيما بعد.
كلمة “لا” تحتاج إلى شجاعة، لكل فرد طاقة محدودة يجب أن يتعامل مع الآخرين بناءً عليها، الخوف من قول “لا” يستنفذ طاقاتنا النفسية.
قول كلمة “لا” رداً على طلبات الآخرين أو قولها تجاه أمر يخص الفرد نفسه سيخفف من الضغط النفسي الذي كان سيقع عليه لو أنه أجاب بكلمة “نعم” و تراجع عن قول كلمة “لا”.أصبح ضروريا في الوقت الحالي تربية الأطفال على فلسفة وقيم “لا”، وبدون ذلك سيصح الجيل القادم عرضة للسيطرة على عقله بسهولة، قول ” لا” يتطلب وعي، وادراك، ومسؤلية.كلمة “لا” واضحة في رسالتها، موقظة للانتباه، معبرة عن الاستقلالية، مثيرة للجدل، مؤسسة للتغيير والتطوير، مرتبطة بالشخصيات المستقلة، تنطق دفعة واحدة وبصوت واضح كأنها رصاصة منطلقة تصيب الهدف اصابة مباشرة.“لا” هي الكلمة التي تتطلب أكثر من غيرها تفكيرا عميقا قبل النطق بها.
ضرورة تعليم الأطفال فلسفة “لا”
تدريب الطفل على قول “لا” في وجه كل غريب يحاول الاقتراب من مناطق خاصة من جسده، أو الذي ينظر نظرات مريبة، يوفر نسبة كبيرة من أسباب حماية الطفل من كل أشكال الاستغلال، واساءة المعاملة.
كما أنه يساعد الطفل على تشكيل شخصيته المستقلة والناضجة أكثر حين يعبر عن “لا” بأي شكل من الأشكال، وأن القدرة على التعبير بالقول عن “لا” يحرر الطفل من الخجل ومن أسباب الخضوع، ويشعره بأهمية خاصة في محيطه. وللاستفادة من ذلك لا بد من تدريب الأطفال على تحمل نتائج وردود الفعل السلبية من المحيطين، وجعله يجد لذة ومتعة في تحمل كل أشكال ردود الفعل بعد قوله “لا”.
التربية على “لا”، لا تخالف في فلسفتها التربية على “نعم” التي تعتبر جهلا من الآباء، لضمان طاعة الطفل لهم وخضوعه لتوجيهاتم، وهذا وهم كبير أو جهل بقواعد التربية،قول “لا” هي التربية التي تدرب الطفل على التصرف بمسؤولية.
حين نشجع الطفل على تنمية سلوك “لا” تجاه التصرفات غير المقبولة لا يعني ذلك تنشئته على التمرد، كما لا يعني تعويده على الكسل، يجب تدريب الطفل على استعمالها بوعي، وفي مكانها وتوقيتها المناسب.
إن التربية على قيم “لا” فن رفيع يساعد على تربية مواطن قوي الشخصية، متفاعل بوعي وقناعة، قادر على ممارسة النقد البناء، وعلى مقاومة كل محاولات الاقصاء والإخضاع والسيطرة.
إن الخوف من تمرد الاطفال لا يبرر تنشئتهم على الخضوع والقابلية للتحكم والتوجيه، فهذا قتل لهم ولمستقبلهم ولمستقبل وطنهم.
وبغض النظر عن أهمية التربية على قول “لا”، فالتطورات التي عرفها المجتمع الانساني عامة تجعل التربية على قيم “لا” ضرورة ملحة وفريضة اجتماعية.
التربية على “لا” سبيل لإخراج المواطن الصالح الذي لا يقبل الرشوة، و لا يخضع للابتزاز، ولا يبيع صوته الانتخابي، و لا يساعد على الاستبداد والفساد، و لا يقبل كل أشكال الذل.
أوهام الآباء من قول”لا”
في الحقيقة لا توجد أية مخاطر في التربية على” لا”، الا في عقول الاباء الرافضين للتطور والاستقلالية، وكل المخاوف تتعلق بأوهام الآباء الناتجة عن الجهل بفلسفة التربية على “لا” وأهميتها الحيوية.
التربية على “لا” أصعب من التربية المنتشرة على “نعم” لما فيها من خضوع واستسلام، التربية على “لا” تحتاج مجهودا استثنائي ليس من طرف الطفل فقط، ولكن من طرف الآباء وكل مسؤل عن التربية في المجتمع على مستوى الاعلام و المدرسة.
الفهم السليم لفلسفة “لا”
تحتاج فلسفة التربية على ” لا” لفهم سليم لفوائد تلك التربية بداية من الاستعداد للتنازل على بعض أشكال السلطة مرورا بوجود إرادة حقيقة للتغيير نحو الأصلح.
إن الخطر ليس في مستقبل طفولتنا في ظل التربية على “لا”، ولكن كل الخطر من غياب استعداد الآباء على قبول ثقافة “لا” والتعامل معها بوعي.
قول “لا” سيُخفف من المهام أو المسؤوليات الفعلية أو العقلية الملقاة على عاتق الطفل، عندما لا نساعد الطفل على وضع حدود مع الآخرين حتى إن كانوا أقرب الأقربين عن طريق قول “لا” ؛ فإننا بذلك سنجعل أطفالنا عرضة للاستغلال وإساءة المعاملة من قِبَل الآخرين.
الشخص الضعيف الذي يستغله الجميع لا يعد نمطاً جيداً ولا يعتبر نموذج مثالي، فالقاعدة تقول:”بإمكانك أن تقول ما تريد، لكن المهم كيف ومتى تقول ذلك”.