أتاحت إجازة عيد الأضحى المبارك الفرصة، لمعظم العائلات المصرية، للانطلاق إلى الشواطئ المصرية.
ولأنني من أبناء بورسعيد الجميلة، أجدني متحيزاً لشواطئ البحر المتوسط، التي قضيت عليها أجمل أيام الطفولة ومطلع الشباب، والتي تأكدت من كونها أجمل شواطئ المتوسط، خاصة بعدما قضيت ثلاث سنوات من حياتي العملية في تركيا، كملحق عسكري لمصر بها، كنت خلالهم أقضي عطلة نهاية الأسبوع، خلال شهور الصيف، على سواحل أنطاليا على البحر المتوسط.
لكن أقسم بالله العظيم، أن شواطئ مصر لا يضاهي جمالها، وصفاء مياهها، ونعومة رمالها، أية شواطئ أخرى على البحر المتوسط.
ونزولاً على رغبة الأولاد، والأحفاد، انطلقت، ومعي أسرتي، إلى الساحل الشمالي المصري، لقضاء أيام الإجازة سوياً، فكانت أولى المفاجآت السعيدة، بعدما عبرنا “كوبري تحيا مصر”، في روض الفرج، أن طريق مصر-الإسكندرية الصحراوي، أصبح طريقاً عالمياً، يتكون من خمسة حارات للذهاب، ومثلهم للعودة، بالإضافة إلى حارتين على كل جانب، للحافلات وسيارات النقل.
كما أصبح طريقاً حراً، خالي من التقاطعات، بما يجعله، بهذه المواصفات، مضاهي للطرق الألمانية، مضرب المثل في جودة الطرق على مستوى أوروبا والعالم.
وما أنا وصلنا لطريق وادي النطرون، في اتجاه الساحل الشمالي، حتى لمسنا ما طاله من تطوير، فبعدما كان يتكون من حارتين في كل اتجاه، صاروا، اليوم، أربع، فضلاً عن حارتين إضافيتين في كل اتجاه.. لاستخدامات النقل الثقيل، يجري، حالياً، استكمالهم، ووضع اللمسات الأخيرة اللازمة للطريق، مثل استكمال العلامات الاسترشادية، ليصبح، هو الآخر، طريقاً حراً، بمواصفات عالمية.
ثم وصلنا للطريق الساحلي، الرابط بين الإسكندرية والسلوم على حدود ليبيا، مروراً بالعلمين ومطروح، ذلك الطريق، الذي تعرض، عند اكتمال تطويره في العام الماضي، لحملات نقد ظالمة، خاصة لميادينه المرتفعة، التي أطلق عليها رواد مواقع التواصل الاجتماعي “صينية الكنافة”.
والحقيقة أن المشكلة لم تكن في الطريق، وميادينه، المنفذ وفقاً للمقاييس العالمية، وإنما في عدم تعودنا على ثقافة استخدام العلامات الإرشادية على الطرق، أما في العام الجاري، وبعد استيعاب علامات الطريق، تأكد جميع مرتاديه من أهميته في تحقيق انسيابية مرورية، فضلاً عما يوفره من أمان، وفقاً للإحصاءات الصادرة عن فترة إجازة عيد الأضحى، بعدم وقوع حوادث طريق عليه. لقد صار الطريق حراً، بدون تقاطعات، حتى مطروح، ومزود بطرق جانبية لخدمة القرى، وهو ما قد يعلمنا درساً بعدم استباق الأحكام، أو الانسياق وراء الحملات، حتى الانتهاء من المشروع، واختبار جدواه، فوصولي من منزلي بالقاهرة، إلى قريتي بالساحل الشمالي، بأمان، في ثلاث ساعات، بدلاً عما يزيد عن أربعة، هو إنجاز يستحق الإشادة به.
وبدأنا الإجازة، فأدركت أن الزمن قد تغير؛ فقد كنت أأمل ببدء يومي مبكراً، مثلما عودتنا أمي، رحمة الله عليها، التي كانت تستيقظ مبكراً، في أيام الإجازة الصيفية، لإعداد السندوتشات والشاي والعصائر، لننطلق إلى شواطئ بورسعيد الحبيبة، في الثامنة صباحاً، لتناول الإفطار فوق رمالها، وقضاء النهار كله عليها، قبل العودة للكابينة قبيل غروب الشمس، لتناول وجبة الغذاء، من أنواع السمك المشوي، التي تسبقنا أمي لإعدادها قبل عودتنا من الشاطئ.
أما اليوم، فأحفادي يستيقظون متأخراً، ولا يتناولون الإفطار قبل الثانية عشر ظهراً، ولا يتجهون للشاطئ قبل الثانية ظهراً، ويغادرونه في حوالي الساعة خامسة مساءً، لتناول الغذاء في السابعة مساءً، في أي من المطاعم المنتشرة على الطريق الساحلي.
وأمام تلك المواعيد الغريبة على نظامي، وحيث أنني من الملتزمين بالاستيقاظ مبكراً، فقد قررت الاستفادة من ساعات الصباح، التي يملؤها السكون التام من حولي، لاستكمال فصول كتابي الجديد، المنتظر إصداره قريباً، بعنوان “الاستراتيجية والسياسة وجهان لعملة واحدة”، فإذا بي أوشك على الانتهاء من جميع فصوله، خلال ساعات انتظاري لأولادي وأحفادي، للتوجه للإفطار، في الثانية عشر ظهراً، في أي من المطاعم التي يرشحونها، ويحفظونها عن ظهر قلب، مشترطاً عليهم أن يكون ضمن قائمة طعامها، أطباقنا المصرية الأصيلة، وأنواع الفطير المشلتت ومعه العسل والطحينة.
وبعد انقضاء السويعات التي نقضيها على الشاطئ، نتوجه لأحد المطاعم لتناول وجبة غذاء، متأخرة، كان أكثر ما يسعدني فيها، التفاف أعداد من الآباء، ومعهم أبناءهم من الشباب، حولي لمناقشتي في محتوى مقالاتي الأسبوعية التي يشجع الآباء أبنائهم على قراءتها، لما توضحه للكثير مما يحدث، حالياً، في مصر والعالم.
والحقيقة أنني كنت استمتع، بشدة، بتلك المناقشات، خاصة مع الشباب، الذين يعتمد، معظمهم، في استياق معلوماتهم من خلال “السوشيال ميديا”، والتي لا تكون، في كثير من الأحيان، منضبطة، بل وتكون أخبارها مشوشة.
ورغم أنني لم أكد أكمل وجبة غذاء واحدة مع أولادي وأحفادي، على نفس الطاولة، إلا أنني سعدت بعودتي من الإجازة، ومعي أكثر من 100 رقم تليفون لشباب طلبوا مني أن أرسل لهم مقالاتي كل أسبوع. وقد قضت مساعدتي يوماً كاملاً في المكتب لتسجيل أرقام تليفوناتهم على هاتفي، وإنشاء مجموعة “شباب الساحل الشمالي”، وسعدت بأن نستخدم أحد تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي في تقديم معلومة مفيدة للشباب، عن مفاهيم الأمن القومي المصري.
وليدرك الجيل الجديد، ما تواجهه مصرنا الغالية من تحديات، دون إطراء أو ذم، وإنما من خلال شرح، وتوضيح، موضوعي لتداعيات ما يدور حولنا من أحداث ..