ماذا تعرف عن مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية

إعداد: أحمد التلاوي

في الثاني والعشرين من يوليو الجاري، أعلن الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة أن مشروع الربط الكهربائي بين مصر والمملكة العربية السعودية سوف يتم الانتهاء منه، في مطلع صيف العام 2025م، وبدء التشغيل والربط على الشبكة الموحدة بين مصر والمملكة.

وأشار عقب اجتماع مع وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز، أن الأعمال التنفيذية للمشروع تسير، في الجانبين، وفقًا للمخطط الزمني الموضوع، وسط دعم كبير من القيادة السياسية لبلدي المشروع.

وكانت مصر والمملكة، قد وقعتا في عام 2012م، اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي بينهما، بتكلفة تبلغ مليارًا و800 مليون دولار، يخصُّ الجانب المصري منها، 600 مليون دولار.

ويساهم في تمويل المشروع، الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، بالإضافة إلى جهات عربية أخرى مانحة، وهي الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي، والبنك الإسلامي للتنمية، بالإضافة إلى ما تتحمله “الشركة المصرية لنقل الكهرباء” من ميزانيتها الخاصة.

المشروع الأول من نوعه في الشرق الأوسط

وبحسب صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، فإن المشروع، هو الأول من نوعه لتبادل تيار الجهد العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويبدأ من مدينة بدر في مصر، حتى المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية، مرورًا بمدينة تبوك في شمال المملكة.

ويشمل المشروع إنشاء ثلاث محطات تحويل ذات جهد عالٍ؛ اثنتان منها في الجانب السعودي، شرق المدينة المنورة، وفي تبوك، والثالثة محطة “بدر”، شرق القاهرة، وتربط المحطات الثلاث خطوط نقل هوائية يصل طولها إلى نحو 1350 كيلومترًا، بالإضافة إلى 22 كيلومترًا من الكابلات البحرية تمر عبر خليج العقبة، والتي تنفذها حاليًا شركة “بريزمن” الإيطالية تمهيدًا لشحنه وتركيبه في المسافة البحرية من خط الربط.

فكرة المشروع

وتعتمد فكرة المشروع، والمشروعات الأخرى المثيلة التي تسعى مصر في الوقت الحالي إلى إنجازها على مبادلة الطاقة الكهربائية بين البلدَيْن وفق خريطة أوقات ذروة الاستهلاك، التي تختلف بين البلدَيْن، بحيث تستفيد مصر من مبادلة الطاقة عبر شبكة الربط مع المملكة في أوقات الذروة في مصر، بينما تستفيد السعودية من فائض التيار في أوقات الذروة في مصر، وهو ما يُعرَف بـ”مشروعات الفائدة المشتركة”.ووفق وكيل أول وزارة الكهرباء المصرية الدكتور أحمد مهينة، فإنها بنهاية مايو الماضي؛ كانت نسبة الإنجاز في المشروع، حوالي 47 %.

وبحسب الاتفاق المُبرَم بين مصر والسعودية في العام 2012م، فإنه من المقرر بدء التشغيل التجريبي لمشروع الربط الكهربائي بين البلدَيْن في نهاية شهر مايو من العام المقبل، 2025م، على أن يبدأ التشغيل الرسمي للمشروع على مرحلتين، الأولى في يونيو 2025م، بقدرة 1500 ميجاواط، والثانية في نوفمبر من العام نفسه، بقدرة 1500 ميجاواط، بإجمالي 3000 ميجاواط.

العائد من المشروع

وبحسب موقع “خريطة مشروعات مصر” الرسمي، يبلغ معدل العائد الاستثماري للمشروع، أكثر من 13%، عند استخدام الربط الكهربائي فقط للمشاركة في احتياطي توليد الكهرباء للبلدَيْن، مع مدة استرداد للتكاليف قدرها 8 سنوات.ولكن يرتفع معدل العائد من الاستثمار فيه إلى نحو 20 %، عند استخدام الخط الرابط للمشاركة في احتياطي التوليد ولتبادل الطاقة بين البلدَيْن في فترات الذروة لكل بلد، إضافة إلى استخداماته الأخرى للتبادل التجاري للكهرباء خاصة في الشتاء الذي سيتيح للمملكة تصدير الكهرباء الفائضة في منظومتها إلى مصر


بدائل لمعالجة اختلالات هيكلية

يكتسب المشروع أهمية كبرى لتبني مصر لإستراتيجية تنويع مصادر الطاقة، وبخاصة الكهربائية منها، من أجل معالجة اختلالات هيكلية في قطاع الطاقة، توارثتها مصر منذ عهود سابقة، قادت إلى مشكلات داخلية مزمنة، مثل أزمة تخفيف الأحمال، التي لم تنشأ من عَوَز في إنتاج مصر للطاقة الكهربائية، وإنما لأسباب أخرى.

فأقصى استهلاك يومي للكهرباء في مصر، وتم تسجيله في الأسبوع الأخير من يوليو الجاري، بلغ 38 ميجاواط / ساعة، بينما يمتلك قطاع الكهرباء في مصر قدرات ضخمة، تقترب من 60 ألف ميجاواط (59.7 ألف ميجاواط)، بعد المشروعات الكبرى التي أنشأتها الدولة في السنوات الأخيرة، بالتعاون مع كبريات الشركات العالمية، ومنها “سيمنز إنرجي” الألمانية.

إلا أن المشكلة الكبيرة التي يعاني منها قطاع الكهرباء في مصر، هي أن الوقود الأحفوري، النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي، يستحوذ على نصيب الأسد من قدرات إنتاج محطات الكهرباء، بنسبة تتجاوز 89%، في حين لا تتجاوز قدرات الطاقة المتجددة المُرَكَّبة، من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وغيرها من مصادر الطاقة النظيفة،  نحو 11% فقط.

حيث تتحمَّل ميزانية الدولة مبالغ ضخمة من أجل توفير هذه النسبة من الوقود الأحفوري اللازمة لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية في مصر، ولذلك وضعت الحكومة المصرية خططًا من أجل تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وخلق بدائل غير تقليدية للطاقة الكهربائية، ومن بينها التبادل الكهربائي مع دول الجوار، بجانب المملكة العربية السعودية،  مشروعات تبادل كهربائي مع اليونان وإيطاليا والأردن.

كما ان هناك دراسات تُجرى الآن للربط الكهربائي مع العراق، من خلال ربط ثلاثي بين مصر والأردن والعراق، كما تتطلع مصر إلى زيادة مستوى الربط الكهربائي مع الأردن من 500 ميجاواط حاليًا إلى 2000 ميجاواط، كما أنه جارٍي العمل على رفع الربط مع السودان من 80 ميجاواط إلى 300 ميجاواط، إلا أن الاضطرابات الحالية في السودان تمنع التقدم السريع للمشروع، مع التوسُّع باتجاه ليبيا أيضًا.

في هذا الإطار، تسعى مصر إجمالاً إلى إضافة 11 ألف ميجاواط لشبكة الكهرباء من مشروعات الربط الدولي، بتمويل من عدة جهات، منها الاتحاد الأوروبي والدول التابعة له، ومنها اليونان وإيطاليا كما تقدَّم، مما يعزز من إستراتيجية الدولة لتحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، وتحويلها إلى مركز لتبادل الطاقة الكهربائية.

المشروع ليس لتوفير عملة صعبة

و بخلاف الشائع؛ فإن مصر لا تسعى من خلال مشروعات الربط الكهربائي – ومنها المشروع الحالي للربط مع المملكة العربية السعودية – إلى تصدير الكهرباء لتحقيق فائض من العملة الصعبة على حساب مصالح المواطنين، وإنما تسعى إلى أنْ تستفيد الشبكة القومية للكهرباء في مصر من فائض التبادل في أوقات الذروة من أجل معالجة مشكلة تخفيف الأحمال، وتطوير القطاع الصناعي كثيف الاستهلاك للطاقة.

البدائل الأخرى

تعزز مصر من شراكاتها مع كبرى الكيانات العالمية للبحث عن مكامن جديدة للنفط والغاز الطبيعي، مثل شركة “إيني” الإيطالية.

كما تسعى مصر إلى رفع نسبة الطاقة النظيفة إلى 20 % بحسب موقع وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصرية، من خلال تنوع  مصادر الطاقة النظيفة أو المتجددة “Renewable energy” أو “Clean energy” – على نطاق واسع  من الخيارات، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية، وأحدث حلقاتها، الهيدروجين الأخضر..ومن أحدث مشروعات الدولة في هذا المجال، مشروعان طاقة الرياح والطاقة الشمسية، من المقرر افتتاحهما بحلول شهرَيْ أغسطس وأكتوبر المقبلَيْن، بإجمالي 750 ميجاواط، واستثمارات نحو 700 مليون دولار.

المشروع الأول:

ومن المقرر افتتاحه خلال شهر أغسطس، المرحلة الأولى لمشروع طاقة رياح بقدرة 250 ميجاواط، وينفذه تحالف ترأسه شركة “أوراسكوم للإنشاءات”، في منطقة خليج السويس بالقرب من رأس غارب، بالتوازي مع ربط مشروع طاقة الرياح الذي سيُضاف إلى الشبكة القومية للكهرباء.

المشروع الثاني:

تنفذه شركة “النويس” الإماراتية بقدرة 500 ميجاواط في “كوم أمبو” بمحافظة أسوان، ومن المقرر تشغيله خلال أكتوبر المقبل.

التكامل الإقليمي ومصالح الأمن القومي المصري والعربيكما رأينا، يأتي مشروع الربط الكهربائي بين مصر والمملكة العربية السعودية، لكي يحقق الكثير من الأهداف التنموية بالنسبة لمصر، كما يعزز من قدرتها على مواجهة الطلب المتزايد على الطاقة في مختلف قطاعات الاقتصاد، سواء للاستخدام المنزلي، أو القطاع الصناعي.

إلا أن المشروع لا يحمل هذا الوجه من الأهمية فحسب، بل إن له الكثير من الأبعاد السياسية أيضًاـ وتأتي على رأسها حقيقة أن تعزيز الشراكة بين مصر والمملكة، خطوة من شأنها تعميق التكامل العربي، برغم أن المشروع في ظاهره اقتصادي كما رأينا – خطوة شديدة الأهمية على الصعيد الإقليمي في مواجهة التحديات الكبرى التي يواجهها العالم العربي في المرحلة الراهنة.

تكلفة المشروع

وبالتالي؛ فإن مشروع الربط الكهربائي بين مصر وبلد بحجم المملكة العربية السعودية، ومشروعات أخرى مماثلة ذات طابع إستراتيجي، مثل “رأس الحكمة” الذي ضخَّت دولة الإمارات العربية المتحدة بموجبه استثمارات تُقَدَّر بـ17 مليار دولار، من شأنها تعزيز الأمن القومي لهذه الدول، في ظل مخاوف من اتساع رقعة الأزمات الراهنة في الإقليم.

وازدادت هذه المخاوف بعد التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد الحوثيين في اليمن، بقصف ميناء “الحُدَيْدَة” الحيوي، والتهديدات الإسرائيلية بشنِّ حرب على “حزب الله” اللبناني، واعتبار إسرائيل لبنان بالكامل هدفًا لعملية عسكرية مرتقبة في ظل كَوْن “حزب الله” في الوقت الراهن جزءًا من مؤسسات الدولة اللبنانية من خلال وزراء حكوميين وكتلة برلمانية تتبع الحزب.

الربط الكهربائي.. طريق مصر إلى عالم التكتلات الكبرى

من جانب آخر؛ فأن الربط الكهربائي ومشروعات الطاقة النظيفة المشتركة التي يتم تنفيذها حاليًا، تكتسب أهمية كبرى في نقطة أن العالم حاليًا، هو عالم من التكتلات، وبالتالي، لن تستطيع أية دولة أنْ تتقدم في خططها التنموية من دون أنْ تنخرط بشكل مباشر في العمل المشترك في إطار التكتلات.وفي هذا، نشير إلى تصريحات الدكتور أحمد مهينة عن مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، سوف يكون نواةً لإنشاء سوق مشتركة للكهرباء بين الدول العربية، وهو ما تعززه الخطط المصرية في هذا المجال، على النحو السابق الإشارة إليه.

ونعود هنا إلى مشروعات الربط الكهربائي التي بدأتها مصر بالفعل، ومنها مشروع له دلالة كبيرة في هذا الأمر، وهو مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان، الذي وقعت القاهرة وأثينا مذكرة تفاهم بشأنه قبل عامَيْن أو يزيد، لمدِّ كابل كهربائي عملاق يربط البلدَيْن عبر البحر المتوسط.

وبحسب وكالة “بلومبرج”، فإنه في أكتوبر الماضي، اقترح الاتحاد الأوروبي، إدراج مشروع ربط شبكات الطاقة بين مصر واليونان على قائمة “مشروعات الفائدة المشتركة”، وهي خطوة من شأنها تسريع إصدار ترخيص المشروع والمساعدة في تمويله والذي يبلغ حوالي ثلاثة مليارات يورو، من ميزانية الاتحاد الأوروبي.

تتراوح قدرات المشروع تتراوح بين 2.5 إلى ثلاثة آلاف ميجاواط، ومن المنتَظَر أنْ يتم تنفيذه على مرحلتين، قبل نهاية العام 2030م، بعد استكمال دراسات جدوى المشروع من قبل أحد المكاتب الاستشارية بالتنسيق مع الجانبين المصري واليوناني.

وبالفعل، وفي يونيو الماضي، وضمن أعمال “مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي 2024″، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي لديه خطط استثمارية واقتصادية مستقبلية مع مصر، خصوصًا في قطاع الطاقة المتجددة.

وقالت خلال مؤتمر صحفي بالقاهرة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى جانب قادة 5 دول أوروبية: “”نحن نطوِّر برنامج الربط الكهربائي بين مصر واليونان، وهو المشروع الذي يزيد من أمن الطاقة”.

ولعل أهم ما قالته دير لاين خلال هذا المؤتمر الصحفي، هو أن القاهرة لديها الإمكانيات والموارد الكافية لكي تصبح مركزًا للطاقة المتجددة، خصوصًا في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر؛ حيث وقعت مصر بالفعل مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي خلال هذا المؤتمر، في هذا الشأن.

وفي الأخير، يأتي مشروع الربط الكهربائي بين مصر والمملكة العربية السعودية في هذا الإطار الأوسع لرؤية الجمهورية الثانية في مصر من أجل إيجاد معالجات أكثر عمقًا وجذرية لمشكلاتها، ومواجهة تحديات هيكلية مزمنة، من خلال أحدث تقنيات العصر، وبناء منظومة من التحالفات واسعة النطاق، تبدأ من الجوار، مع السعودية والدول العربية الأخرى، وعلى أقصى اتساع للعالم.

السعودية ومصر توقعان عقود الترسية لتنفيذ مشروع الربط الكهربائي

مصر تضيء العالم في إطار الربط الكهربائي مع ٨ دول

Exit mobile version