أنشأت شركة “سبيس إكس”، المتخصصة في خدمات استكشاف ورحلات الفضاء، في عام 2015 قطاعاً داخلياً يحمل اسم “ستارلينك”، وهو متخصص في تقديم خدمات الإنترنت الفضائي بالاعتماد على الأقمار الصناعية المحلقة في المدار المنخفض حول الأرض؛ على ارتفاع 550 كيلومتراً من سطح الأرض.

بعد سلسلة من المحاولات والتجارب، تمكنت “ستارلينك” من إطلاق أول أقمارها التجريبية إلى الفضاء في 2018، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن، وصل عدد الأقمار الصناعية المنتشرة في المدار المنخفض حول الأرض إلى أكثر من 3000 قمر صناعي.

وفي يوم 23 مايو 2019 أطلقت الشركة صاروخًا من طراز Falcon بحمولة غير اعتيادية.. 60 قمرًا صناعيا.

البداية والهدف

هذه الخطوة الأولى نحو إطلاق آلاف الأقمار الصناعية خلال الأعوام  القادمة بمدارات قريبة من الأرض.

والتي تهدف إلى تقديم خدمة إنترنت عن طريق الفضاء إلى كل مكان في الأرض، وخاصةً الأماكن التي لا تصلها خدمة الإنترنت التقليدية، أو تتمتع بخدمة سيئة عبر الوسائل التقليدية.

 التغطية الفضائية الجديدة تخدم قرابة 3.5 مليارات شخص في المناطق النائية على كوكب الأرض،عن طريق تقديم خدمة إنترنت مُستقرة وسريعة.

تمكنت شركة “سبيس إكس”، من توصيل خدمة الإنترنت الفضائي “ستارلينك” لقارات العالم السبع، بما في ذلك القارة القطبية الجنوبية.

الإنترنت الفضائي ليس جديد.. فما الجديد في مشروع  Starlink؟

الجديد هو أن المشروع سيُغطي الكرة الأرضية باتصال ذي جودة أعلى من الاتصال الفضائي التقليدي، وبالاعتماد على أجهزة استقبال أصغر حجمًا، وأقل تكلفة.

والسبب هو أن أقمار Starlink الصناعية ستُحلق في مدارات مُنخفضة فوق الأرض، هذا يعني أن الإشارات ستصل بقوة أعلى إلى مساحات أكثر، مُقارنةً بتلك التي تغطيها أقمار الاتصالات التقليدية.

مما يعني، إشارة أقوى، مع تقليص زمن الاستجابة بشكل كبير، وتقليص استهلاك الطاقة في أجهزة الاستقبال، وتقليل حجمها، وتكلفتها.

لتحقيق هذا الهدف، ستُطلق الشركة آلاف الأقمار الصناعية لتغطية الكرة الأرضية.

تحلق أقمار ستار لينك وفق مجموعتين على مدارات مُنخفضة، بداية من 4400 قمر صناعي، على ارتفاع يتراوح بين 550 و 1300 كيلومتر، والمجموعة الثانية تتألف من حوالي 7500 قمر صناعي، تُحلق على ارتفاع يتراوح بين 335 إلى 346 كيلومتر.

تستهدف شركة “سبيس إكس” الوصول بحجم شبكتها للأقمار الصناعية “ستارلينك” إلى 42 ألف قمر صناعي بحلول 2027.

تتركز فكرة “ستارلينك” في توفير خدمات الإنترنت إلى البشر جميعاً، خاصة في الأماكن النائية والتي لا تتوفر فيها بنية تحتية تسمح لسكانها بالحصول على الإنترنت الأرضي، المعتمد على الكابلات الأرضية، وكذلك غير المتوفر بها تغطية جيدة لشبكات المحمول اللاسلكية.

كما توفر “ستارلينك” الاتصال بالإنترنت في أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية، مثل توفير الإنترنت في أوكرانيا بعد بدء العملية العسكرية الروسية التي أثرت بشكل كبير على الاتصالات، مما جعل شبكة ستارلينك مصدر الإنترنت الوحيد داخل أوكرانيا.

تقدم “ستارلينك” خدمات متعددة مثل خدمة  Starlink RV، والتي تتيح إمكانية الحصول على اتصال بالإنترنت في المناطق النائية، والجمهور المستهدف بتلك الخدمة هم عشاق الترحال والتخييم، وكذلك من يتواجدون لفترات طويلة في المناطق النائية.

وكذلك قدمت خدمة Starlink Maritime، وهي تقدم اتصال بالإنترنت على متن السفن والمركبات البحرية خلال حركتها.

كيف يمكن الحصول على خدمات “ستارلينك”؟

يعتمد الحصول على خدمات الإنترنت الفضائي من “ستارلينك”، على معدات الاستقبال الأرضي، والتي تتمثل في طبق استقبال يتم تثبيته أعلى المنازل، ويتم توصيله بجهاز يقوم بتوزيع الإشارة لاسلكياً داخل المنزل، والذي يقوم بعمل “الراوتر”.

عملت “ستارلينك” على توسيع نطاق انتشار تقديم خدماتها تدريجياً على مدى العامين الماضيين، حيث وصل عدد منصات الاستقبال المبيعة إلى أكثر من 500 ألف شخص على مستوى العالم.

سرعة “ستارلينك”

سرعات الإنترنت الفضائي مع “ستارلينك” تتراوح بين 50 ميجابيت و250 ميجابيت في الثانية الواحدة، على مستوى الاستخدام المنزلي، بينما السرعات تصل إلى 350 ميجابايت في الثانية بالنسبة للشركات المشتركة في خدمة Starlink Business.

وكانت الشركة قد أتاحت، إمكانية حصول مستخدمي الإنترنت المنزلي على منصات الاستقبال المتطورة، التي كانت مخصصة لقطاع الأعمال فقط، ما يفتح المجال لحصولهم على إنترنت فضائي بسرعات تتراوح بين 150 ميجابايت و350 ميجابايت في الثانية الواحدة.

تكلفة الخدمة

يتحمل المشتركون في خدمة الإنترنت المنزلي تكلفة لمرة واحدة 599 دولاراً، مقابل الاشتراك في الخدمة والحصول على المعدات اللازمة لاستقبال الإشارة، من طبق استقبال وجهاز “راوتر” لتوزيع الإشارة داخلياً، بالإضافة إلى 110 دولار كاشتراك شهري في الخدمة.

بينما على مستوى منصة الاستقبال الأكثر تطوراً High-Performance، فإن تكلفة المعدات ترتفع بشكل كبير إلى 2500 دولار، وهي تكلفة يتم تحملها لمرة واحدة، بينما الاشتراك الشهري في الخدمة سيكون نفسه وهو 110 دولار.

أما على مستوى خدمة الإنترنت للترحال Starlink RV، فتتضمن نفسة التكلفة الأولى 599 دولار، ولكن مع اشتراك شهري بـ135 دولار.

وترتفع تكلفة خدمة الإنترنت للمركبات البحرية Starlink Maritime، فتصل قيمة المعدات، التي تتضمن منصتي استقبال للخدمة إلى 10 آلاف دولار، مع اشتراك شهري للخدمة بـ5 آلاف دولار.

يمكن للمستخدم  الاشتراك في الخدمة لمدة 30 يوم، وفي حال لم يكن راضٍ عن الخدمة، بإمكانه استرداد تكلفة المعدات التي تحملها كاملة.

التخلص من الأقمار والحفاظ على الفضاء

ستارلينك تهتم بمجال تخفيف الحطام في المدار، حيث تلبي جميع المعايير التنظيمية والصناعية. في نهاية عمر القمر الصناعي، ستستخدم الأقمار الصناعية نظام الدفع الخاص بها للتخلص من مدارها على مدار بضعة أشهر.

 في حالة عدم إمكانية تشغيل نظام الدفع، ستحترق الأقمار الصناعية في الغلاف الجوي للأرض في غضون 1-5 سنوات، أقل بكثير من مئات أو آلاف السنين المطلوبة على ارتفاعات أعلى.

قلق من مشروع ستار لينك

ادعى علماء الفلك أن أعداد الأقمار الاصطناعية المرئية من على سطح الأرض ستطغى على النجوم المرئية، وسيؤثر سطوعها المرتفع، من الناحية البصرية وفي نطاق الأطوال الموجية الراديوية، على عمليات الرصد العلمي بصورة بالغة.

ولن يتمكن العلماء من تحديد أوقات معينة للرصد للفلكي بسبب هذه الأقمار، إذ إنها ستغير من مداراتها ذاتيًا.

وأصدر كل من الاتحاد الفلكي الدولي، والمرصد الوطني لعلم الفلك الراديوي تصريحات رسمية ليعربان عن قلقهما من هذا المشروع.

ودافع ممثلو شركة سبيس إكس، أن آثار هذه الأقمار ستكون ضئيلةً جدًا. وعارض العديد من علماء الفلك هذه الادعاءات بناءً على الرصد المبدئي لكوكبة ستارلنك النسخة 0.9 خلال إطلاقها الأول، بعد انتشارها في المدار بفترة قليلة من مركبة الإطلاق.

وصرح ماسك لاحقًا عبر حسابه على شبكة X تويتر سابقا أن شركة سبيس إكس ستعمل على خفض وضاءة هذه الأقمار الصناعية وستوفر وسائل لتعديل وضعية هذه الأقمار عند الطلب بما يتناسب مع التجارب العلمية الفلكية إذا استدعى الأمر.

وقد خففت شركة سبيس إكس من القلق المتعلق بخطورة المخلفات الفضائية، على المدى الطويل، والناتجة من وضع آلاف الأقمار الاصطناعية في مدار حول الأرض من خلال خفض مدارات الأقمار المخطط لها.

وسيكون من المتوقع أن تترك الأقمار الصناعية التالفة مدارها لتدخل الغلاف الجوي خلال بضع سنوات.

التحديات التي تواجه الخدمة

التحليق ضمن مدارات مُنخفضة يعني بالضرورة أن هوائيات الاستقبال لن تتمكن من تثبيت استقبالها على قمر صناعي واحد إلا لدقائق؛ لأن الأقمار الصناعية في هذه الحالة مُتحركة باستمرار، وبسرعة عالية، لهذا فقد تم تصميم هوائيات تتيح الانتقال بين الإشارات الواردة بسلاسة، وهذا يتطلب من الأقمار الصناعية تمرير المعلومات بسرعة عالية بين قمرٍ وآخر؛ كي تضمن عدم انقطاع التصفح، أو الاتصال الهاتفي.

من أبرز المخاوف مع هذا العدد الكبير من الأقمار الصناعية هو ارتطامها ببعضها البعض، أو بالأقمار الصناعية الأخرى، خاصةً أن شركات أُخرى مُنافسة ستُطلق مشاريع مُشابهة مُستقبلًا تتألف أيضًا من آلاف الأقمار الصناعية.

 لتفادي هذه المشكلة زودت SpaceX أقمارها الصناعية بنظام لتفادي الاصطدام، يُتيح للقمر الصناعي تعديل مساره لتفادي اصطدام مُحتمل.

 كما أن أقمار Starlink تحتوي بداخلها قاعدة بيانات، فيها معلومات جميع مواقع الأقمار الصناعية الأخرى المُحلّقة حول الأرض.

المستقبل للإنترنت الفضائي

سيلعب الإنترنت الفضائي دورًا رئيسيًا في مُستقبل عالم الاتصالات، إذ إن Starlink لن تكون وحدها في هذا المجال.

حيث إذ أعلنت شركة OneWeb المملوكة لشركتي Airbus الأوروبية، و Softbank اليابانية عن مشروع مماثل، إضافةً إلى مشاريع مُشابهة من Telesat الكندية و LeoSat المدعومة من ممولين يابانين، وأمريكا اللاتينية و Iridium الأمريكية.

التطور التقني والمُنافسة سيدفعان إلى تقليص الأسعار، وتحسين الخدمة.

وقد لا يؤدي الاتصال الفضائي إلى استبدال شبكات الاتصالات التقليدية، لكنه سيُساهم بكل تأكيد في سد ثغراتها، وتحسينها، كما سيوفر الإنترنت السريع والرخيص، لمن لا يمتلكون وصولًا إلى تلك الشبكات أصلًا.

By

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *