القاهرة: إسلام كمالدمشق: أشرف التهامي
لقد وصلنا للمربع الأسود، الذى حذرنا منه منذ بداية القلاقل في السودان، والتي تتحول مع الوقت لفوضى متوطنة.. حيث قلنا أن داعش وأمثاله لن يضلوا الطريق ليصلوا السودان فورا، مع دخولها لإطار الدولة الفاشلة.
لكن المفاجأة ليست السودان فقط، حيث من الواضح إن داعش قرر أن يعوض إخفاقاته في الدول العربية، بمدده من نجاحات فرعه الإفريقي، في موقعه الجديد، وهو منابع النيل.
داعش، لن يبدأ من السودان، بل من الحبشة أو إثيوبيا بالأحرى، حيث دعا للجهاد في المقال الافتتاحي بمجلة النبأ، لسان حاله، على خلفية الهجمات التي يتعرض لها مسلمو إثيوبيا خلال الفترة الأخيرة، يقتلون ويهدمون مساجدهم بالعشرات في أديس أبابا بحجة التطوير وإقامة مشروعات سكنية جديدة بالمكان، ولم يعدهم نظام آبي أحمد المسيحي بتعويض هذه المساجد، في المدينة الجديدة.
وبالتالي، فإن داعش الإفريقي، الذي سيصله المدد من العرب والأجانب، من عدة مناطق متوقعة، منها سوريا واليمن وليبيا، بخلاف القرن الإفريقي من الارتريين والصوماليين، وطبعا غرب إفريقيا والساحل والصحراء، المتمكن فيها..بعدة دول، منها بوركينا ونيجيريا ومالي والكاميرون، وله طبعات أخرى في تشاد والنيجر، دمويين بشكل أبشع من أي تصور.
وكشف بيان الدواعش، عن دعوة مباشرة للجهاد في أرض الحبشة، لتطهيرها من آبي أحمد وانصاره المعارضين لدين الله، وفق دعوتهم.
وأفاد البيان بلغته الهزلية المتوقعة، بإشارته إننا بصدد آخر قضايا المسلمين ومآسيهم؛ الهجمة الصليبية على المسلمين في أرض الحبشة وهدم مساجدهم، وما تبعه من “احتجاجات سلمية” قابلها “النصارى” بالنار والحديد.
ويروجون للتحريض بوصف ما حدث، ما هو إلا فصل جديد من فصول الحرب الصليبية على الإسلام، ولا توصيف يصح غير ذلك، وأن ما جرى ليس غريبا ولا مستغربا، فهذا هو دأب الكافرين قديما وحديثا في حربهم على الإسلام، ويضيفون، لكن الغريب أنْ يصرّ أهلُ القِبلة في كل مرة على مقابلة بطش الكافرين بالهتافات والاستنكارات دون أن تحدثهم أنفسهم بالغزو أو القتال، وكأنّ الجهاد لم يُفرض على المسلمين، ومن المعلوم بالضرورة أن القوة لا تواجه إلا بالقوة.
وقال الدواعش في بيانهم، على المسلمين في أرض الحبشة أن يُدركوا بأنّ جرائم النصارى ضدهم ممنهجة وستتصاعد وليست حدثا عابرا، ولا يكون التصدي لهذه الهجمة الصليبية على المساجد والحرمات إلا بمجابهتها بالنار والحديد والبأس الشديد، فالنصارى أعداء للإسلام والحرب معهم ماضية إلى نزول عيسى -عليه السلام-، وليست الحرب معهم “عرقية ولا قومية ولا تمييزية” بل هي حرب إيمان وكفر، وفق مزاعمهم السوداء المريضة، التي للأسف مم الممكن أن تقنع الكثيرون للانضمام لهم، بعدما تعرضوا له من إهانة وقتل، ولذلك يجب أن نكون مستعدين لكل السيناريوهات.
ووجدوا طبعا الفرصة مواتية، فدعوا من أسموهم بإخواننا المسلمين في الحبشة؛ إنّ الحل بين أيديكم، وهو بالتوحيد والجهاد معا، فهذا سبيل العز والتمكين، وهو الحل الوحيد للخروج مما أنتم فيه، فالجهاد الجهاد يا أهل الحبشة فإن لم يكن في عقر دار الكافرين ومدنهم، فدونكم معسكرات المجاهدين في شرق إفريقية فالتحقوا بها وكثّروا سوادها وقد سبقكم إليها خيرة أبنائكم ممن بان لهم الطريق، أي أنه يدعوهم للتدريب في الصومال، ثم العودة للعمل في إثيوبيا.
وسبق أن دعا التنظيم أمير حركة الشباب المجاهدين في الصومال إلى مبايعته على غرار حركة بوكو حرام النيجيرية، كما حرَّض الحركة على شنّ المزيد من الهجمات داخل كينيا وتنزانيا وإثيوبيا قبل أن يتوتر الوضع بينهم بسبب رفض الشباب مبايعة التنظيم.
وتراوح أعداد عناصر حركة الشباب الصومالية، التي من المتوقع أن يكون ظهرا كبيرا، ما بين 6 و8 آلاف عنصر في الصومال.
بينما لا يتعدى عدد عناصر (داعش) 300 عنصر، بحسب الدكتور استيج جارلي هانسن، الذي يعمل مع مؤسسة توني بلير ضمن مشروع معني باحتواء التطرف، وأحد أبرز الخبراء في شؤون الحركات الإسلامية في شرق أفريقيا، مؤكدا على استغلال حركة الشباب لامتداداتها في جيبوتي وصوماليلاند من الناحية اللوجستية للانتشار.
كيف تسللت عناصر التنظيمين إلى إثيوبيا؟ تسللت عناصر حركة الشباب إلى الأراضي الإثيوبية عبر مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم صوماليلاند (أعلن انفصاله عن الصومال في منتصف عام 1991)، وإقليم أوروميا، بالقرب من الحدود مع كينيا، فيما تسللت عناصر تنظيم داعش من مدينة بوصاصو، عاصمة إقليم بونتلاند (أُعلن كيانا إداريا مستقلا في 1998 عن الحكومة الفيدرالية)، الواقع شمال شرق الصومال، بقيادة المدعو محمد جهاد بوديل، الذي تم اعتقاله في الإقليم الصومالي بإثيوبيا، بحسب بيان جهاز الأمن والمخابرات الصادر في 21 سبتمبر 2020.“والأكثر من ذلك، أن داعش أعلن عن اعتزامه إصدار منشورات باللغة الأمهرية التي تعد اللغة الرسمية في إثيوبيا.
وعلى الرغم من أن حركة الشباب هي أكثر الجماعات الإرهابية قوة في منطقة القرن الأفريقي، إلا أن معهد هيرال (مركز أبحاث مختص في التهديدات الأمنية في القرن الأفريقي في مقديشو)، يقيّم داعش بأن لديه القدرة على اجتذاب المواطنين الإثيوبيين المحتملين إلى المجال الجهادي، لأن الشباب حركة صومالية.
في حين يحافظ داعش على طابعه العالمي، وفق ما أوضحه، حسين شيخ علي، مؤسس ورئيس معهد هيرال، ومستشار الأمن القومي الفيدرالي في الصومال.
وتوفر الاضطرابات في المناطق الإثيوبية على الحدود مع الصومال، وعدم الاستقرار السياسي والإداري النسبي في كل من الإقليم الصومالي وإقليم أوروميا، بيئة مواتية لهذه الأنواع من التنظيمات، بحسب المحاضر السابق في جامعة أديس أبابا.
لكن الجنرال جلا يقول إن داعش والشباب جندا عناصر من جميع أنحاء البلاد. ورغم أن الحدود بين إثيوبيا والصومال ليست طويلة، إلا أن التحكم فيها وضبطها يجري بشكل ضعيف من كلا الجانبين، بحسب المحاضر السابق في جامعة أديس أبابا.
ثغرات محتملة توجد في إقليمي أوجادين وأوروميا بإثيوبيا المكونات المحتملة التي قد تستغلها الجماعات الإرهابية، بسبب الفقر والحكم الهش، وفق ما قاله شيخ علي. وهو ما يؤكده البروفيسور هاري فيرهوفن، خبير شؤون القرن الأفريقي في جامعة أوكسفورد،: “الفقر المدقع والبطالة وعدم الرضا العام عن قوات الأمن الإثيوبية ونهجها القاسي في كثير من الأحيان تجاه النظام العام والسلامة، تعني وجود خزان من الشباب الإثيوبي الساخط، خاصة أن الإصلاحات التي قام بها رئيس الوزراء الحالي أبي أحمد منذ وصوله إلى السلطة في العام 2018، انعكست في شكل قلاقل داخل القطاع الأمني بالبلاد، في ظل التوتر بين مكونات الائتلاف الحاكم”، وهو ما قد تستغله التنظيمات الإرهابية.
التغييرات الأخيرة في إثيوبيا وعدم الاستقرار السياسي، إلى جانب الدلائل التي تشير إلى ضعف قوات الدفاع الوطني الإثيوبي (الجيش) وجهاز الأمن الوطني والمخابرات بسبب عمليات التطهير التي ترتبط بتدهور العلاقات بين أطراف الجبهة الحاكمة، لها تأثير على إمكانية استغلال تلك الظروف من قبل داعش والشباب.
إثيوبيا موطن لكثير من القوميات، وبعضها يعاني بشدة من التهميش، الذي يمكن استغلاله من قبل عناصر متطرفة، سواء كانوا من مثيري القلاقل، أو حركة الشباب أو ربما داعش.
وبالطبع ، ستكون إثيوبيا مدخلا للعودة للسودان، وهذا في حد ذاته مفاجأة للبعض، وعموما من الممكن أن يعمل داعش في السودان وإثيوبيا، في وقت واحد، استغلالا للفوضى في السودان والسخونة في إثيوبيا، والخطورة الأكبر أن النيل سيكون تحت التهديد الداعشي، فهل من الممكن أن تضطر الدولة المصرية للتدخل بشكل أو آخر؟.