كنت شاهدًا -قبل أكثر من ٢٠ عامًا- على الزيارة التاريخية الرسمية، التي قام بها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني لمصر، والتي دشنت وقتها بداية جديدة للتقارب بين الكنيستين العريقتين بعد سنوات طويلة من الركود في العلاقات بينهما.
والمتابع لتفاصيل زيارة البابا تواضروس الثاني للفاتيكان، يلمس قدر الاحتفاء والاهتمام بتواجد رأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية العريقة في حاضرة الفاتيكان، حيث معقل الكنيسة الكاثوليكية ، وقد ظهر ذلك بوضوح في كلمة البابا فرنسيس والتي احتفى من خلالها بهذه الزيارة و اعتبرها تجسيدًا للمحبة والتقارب الإيماني بين الكنيستين.
وبعيدًا عن تفاصيل الزيارة وأهميتها، فإن ما لفت نظري – كصحفي عمل في الملف المسيحي وشارك في العديد من الفعاليات المسيحية على مستوى الطوائف المختلفة- هو هذا الكم من الهجوم والمغالطات والتلميحات التي أعدتها كتائب في مصر أطلقت على نفسها مسميات عدة بهدف “حماية الإيمان” ومواجهة ما أسموه الأخطار المحدقة بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، من جراء هذه الزيارة وذلك التقارب المرعب لهم، والذى سيقضى على إيمان وهوية الكنيسة المصرية، التي ستأخذها رياح (الكثلكة) بعيدًا عن الايمان، حسبما يروجون!
فمن شائعة التوقيع على وثائق للوحدة بين الكنيستين بالقاهرة، إلى إقامة قداس واحد على مذبح كنيسة كاثوليكية بإيطاليا، قام هؤلاء (الحماة) ببث كل السموم الممكنة -قبل وأثناء الزيارة- للتأكيد على أن البابا تواضروس سيضيع هوية الكنيسة القبطية تنفيذًا لمخطط عالمي كبير!
رغم أن الحقيقة واضحة وتفاصيل الزيارة ومبرراتها معلنة للجميع، فهي زيارة احتفاء بزيارتين تاريخيتين للفاتيكان، الأولى لمرور ٥٠ سنة على زيارة البابا الراحل شنودة الثالث والثانية لمرور ١٠ سنوات على زيارة البابا تواضروس الثاني.
أما فكرة إقامة القداس القبطي في كنيسة كاثوليكية، فهو أمر طبيعي لصغر حجم الكنائس القبطية في إيطاليا، حيث طلبت الكنيسة المصرية ممثلة في إيبارشيتنا بتورينو، استعارة أحد الكنائس الكاثوليكية الكبيرة لإقامة القداس، وهو ما وجد ترحيبًا كبيرًا من الفاتيكان لتقديم كنيسة القديس جيوفاني لتحتضن القداس القبطي تكريمًا للوفد المصري برئاسة بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
والمتابع العام لا يعنيه الدخول في فهم واستيعاب الاختلافات العقائدية بين الكنيستين على مر التاريخ، وهذا لا يعنى تبسيطًا مخلًا من جانبنا في أمر خطير كما صوره الخائفون على ضياع هوية الكنيسة القبطية، ولكنه إقرار بواقع وحقائق زيارة جاءت تحت عنوان عريض: “اتحاد المحبة في أسمى معانيها ستقود في المستقبل لاتحاد الإيمان”.
إن هذه الزيارة كاشفة لحالة التربص الداخلي بالبابا تواضروس من جانب الحرس القديم وحالة المبالغة العامة، وذلك منذ اعتلائه السدة المرقسية قبل أكثر من عقد من الزمان، والتي أتوقع استمرارها، كلما مضى البطريرك ال ١١٨ في تاريخ الكنيسة المصرية في طريق مغاير لسلفه، محاولًا الابتعاد عن السياسة ودهاليزها.
فإذا كنا جميعًا ندعو للتقارب والتعايش بين اتباع مختلف الديانات، استلهامًا للمبادئ الإنسانية الأساسية ؛ فإنه من باب أولى لمن يسمون أنفسهم “حماة الإيمان” من أتباع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أن يثمنوا خطوات البابا تواضروس على درب المحبة والتقارب مع الكنائس الأخرى وتدعيمًا للدولة المصرية الجديدة ؛ في أنشطتها المختلفة ومنها مسار العائلة المقدسة الذى توليه الفاتيكان اهتمامًا كبيرًا باعتباره من أهم المسارات المقدسة للحجاج الكاثوليك ، وهو ما سيعود بالنفع -بطبيعة الحال- على مصر من جميع النواحي.