الملخص:
- في الحزن على زميل عزيز، لم أستطع كتابة رثاء بسبب صعوبة البت في فراقه الذي عاشرته لثلاثين عامًا ولن يكون بجوارنا، فكنا نعتمد عليه في مختلف الأمور والقرارات وكان متفانيًا في عمله بكل التفاصيل.
- أصدقاؤنا في “المقال الاخباري”، تجمعنا سنوات من العمل والصداقة، تشاركنا المناسبات السعيدة و أجواء الأسرة، نستمتع بلحظات الفرح و الضحك خلف أجندات عمل مشغولة.
- اتفق فريق عمل على تنظيم احتفال بفوز عضو مجلس الشيوخ، وصنعوا تورتة كبيرة تحمل صورته، وعند تقطيعها نكتحلون عندما هزأوا معه، بدأ فبراير من العام الماضي الذكرى الخامسة والعشرون لـ “المقال الاخباري”، بالتالي قرر الأخوان بكري تنظيم احتفال يجمع جميع العاملين السابقين والحاليين.
- احتفال كبير يجمع الأصدقاء والزملاء، وحضر زميلهم إسحاق فريد الملبس بزيه الرسمي الجديد، وتحدثوا والتقطوا الصور لهذه اللحظات الجميلة.
- تم إنشاء جروب “لقاء الأحبة” وتعهد محمود بإقامة حفل إفطار خلال رمضان، لكنه لم يتمكن من تنظيمه بسبب أزمته الصحية، وفي الماضي كان يدعو أيضًا لحفل أفطار أبناء الصعيد وكان يلقب بـ”أخونا العزيز طلعت إسماعيل”.
- حضور مصطفى ومحمود بكري يعبر عن الأصالة في الاحساس بالواجب الاجتماعي وتقدير الزملاء، كانوا موجودين في يوم الفرح ويوم العزاء وقدموا العزاء للزوجة والأستاذين.
- محمود بكري كان يحضر أفراح وعزاءات الزملاء وأبنائهم ولا ينسى حتى العاملين بالحارة الشعبية، وكان يتلقى الامتنان والتقدير من الجميع.
- اختارني لرئاسة التحقيقات الصحفية، وترشيحي لمجلس النواب. كان يرسل لي كارتاً لتدريب الخريجين، ونستخدمهم في التغطية الإعلامية. كان سعيداً بالتجربة ويترك لي تحديد المكافأة. بعضهم أصبحوا كوادر مهنية مهمة.
- تأسف الروح الإنسانية والمهنية للراحل محمود بكري بعد ثلاثة عقود، توفيت هذه الروح ولكن لا يمكن أن تمحى أبدًا.
لاتطاوعني الكلمات لكتابة رثاء لزميل عزيز أعرفه منذ مايقرب من ثلاثين عاما، وما زلت بعد مرور خمسة أيام على الرحيل لا أصدق أنه لن يكون معنا بعد اليوم، عهدناه نشيطا دؤوبا متقد الذهن مهتما بكل التفاصيل، نعود إليه لأخذ الرأى فى كل صغيرة وكبيرة تخص العمل ومايتعلق به، تحادثه فى الهاتف أو ترسل له رسالة وتتلقي الرد حتى ساعة متأخرة من الليل، ثم فى الصباح تجده على مكتبه بكل همة ونشاط.
شريط طويل يمر بالذاكرة عن سنين عمر قضيناها تشاركنا فيها مهنيا وإنسانيا.. أوقات كتير ومناسبات حلوة جمعتنا.. كنا دائما نحاول أن نقتنص لحظات فرحة برغم مشاغل الحياة وضغوط العمل.. ولأننا تربطنا روح أخوة تحيطها أجواء الأسرة كنا ننتهز بعض المناسبات ونقيم احتفالا نأكل ونضحك ونلتقط الصور التذكارية.. هذا هو حالنا في بيتنا الثاني وصحيفتنا “المقال الاخباري”.
كنا نكوّن فريق عمل لتنظيم الاحتفال وبالتشاور معه يتم التنظيم على أعلى مستوى من الدقة، أتذكر عندما أقمنا احتفالا بمناسبة فوزه بعضوية مجلس الشيوخ، اتفقنا مع الحلواني على عمل تورتة كبيرة تحمل صورته مع كلمات التهنئة، وعند تقطيعها كنا نمازحه هناكل صورتك، فضحك وقال “ولايهمكم المهم أتصورنا معاها”، وفى فبرايرمن العام الماضي أكملت “المقال الاخباري” 25 عاما، لذا حرص الأخوان بكري على تنظيم احتفال يضم كل أبناء “المقال الاخباري”، من بدأ التجربة منذ يومها الأول ومن استمر ومن غادر واستقر فى أماكن عمل أخرى.
كان يوم الاحتفال حاشدا تجمع فيه زملاء وأصدقاء، وكان حريصا على متابعة دعوة الزملاء للحضور، حتى إنه لم ينس زميلنا إسحاق فريد الذى أصبح قسيسا بإحدى الكنائس والذى جاء مرتديا زيه الرسمي، فكانت لفتة مميزة سعدنا بها، واستعدنا سنوات البدايات والتقطنا الصورالتى تسجل هذه اللحظات البهيجة.
كان يوما مميزا واتفق الجميع على ضرورة التواصل المستمر وتم إنشاء جروب على الواتس باسم “لقاء الأحبة”، وخلال النقاش بين الزملاء تعهد محمود بكري بإقامة حفل إفطار يضم الجميع خلال شهر رمضان، غير أن الشهر الفضيل جاء وهو فى بداية أزمته الصحية، منذ سنوات اعتاد أن يرسل لى بنفسه دعوة لحضور حفل أفطار أبناء الصعيد، وهى المناسبة السنوية التى كان يتولى الإشراف على تنظيمها، وكان يؤكد على ضرورة الحضور، وكان يشدد بقوله أرسلت دعوة ايضا لـ “أخونا العزيز طلعت إسماعيل”، وكنا نلبي الدعوة ونلقي كل ترحاب معتاد.
أحتفظ وزوجي للأخوين والأستاذين مصطفى ومحمود بكري بمواقف كان حضورهما فيها يعبر عن أصالة فى الإحساس بعمل الواجب الاجتماعي وفى تقدير زملائهم، ففى يوم فرحي كانا موجودين وجلسا بين المعازيم من أبناء العائلة فى بيت الأسرة حيث تم عقد القرآن ثم الانتقال الى أحد الأندية حيث تم الاحتفال، وفى يوم وفاة أمى من سنوات بعيدة حضرا الى سرادق العزاء، ودخلا الى المنزل لتقديم واجب العزاء لى برغم مشقة السفر، هذا الحضور الانساني كان موجودا مع كل الزملاء.
كان محمود بكري يلبي دعوة الزملاء لحضور أفراحهم ثم أفراح أبنائهم فيما بعد، ولم يكسر بخاطرأي منهم حتى لو كان الأمر يخص عاملا بسيطا يقطن حارة شعبية، فكان الامتنان له من هذا وذاك بكلمة واحدة”والله أستاذ محمود جالنا وشرفنا”، وكذلك كان يفعل فى العزاءات وفى المرض.
منذ 13 عاما تقريبا اختارني لتولي رئاسة قسم التحقيقات الصحفية، ومنذ ثماني سنوات تقريبا وافق على ترشيحي الى مجلس النواب كمحررة برلمانية، ولذلك كان التواصل فى تفاصيل كثيرة تخص العمل والزملاء، وكان يرسل لى كارتا ممهورا بتوقيعه مع بعض شباب الخريجين لتولي تدريبهم، ودائما ما كان يبدأ بكلمة “أختنا العزيزة الاستاذة تهاني”، وعندما تم تكوين فريق من شباب الخريجين من كليات الإعلام، كنا نستعين بهم فى تغطية الأحداث فى سنوات ما بعد ثورة 25 يناير 2011 والاستحقاقات الدستورية فى ذلك الحين، كان فرحا بالتجربة وكان يتولى صرف مكافأة لهم وكان يترك لى أمر تحديدها، وتبني بعضهم حتى أصبحوا الآن كوادر مهنية مهمة فى الموقع والصحيفة.
مواقف كثيرة وحكايات عن عشرة مهنية وإنسانية امتدت لثلاثة عقود لايتسع المكان لسردها وتعجز الكلمات عن التعبير عنها، ولكنها كلها تؤكد أن تلك الروح التى كان يعكسها حضورمحمود بكري ستظل باقية فى صحيفتنا نتذكره بها دوما، فما أصعب تصديق الرحيل! وما أصعب تقبل الحياة بعد فقدان الأعزاء على قلوبنا! كل الدعوات لأستاذنا بالرحمة والمغفرة ولأخينا الأكبر مصطفي بكري بالصبر على مصابه الأليم.. والعزاء لنا جميعا.