القاهرة في 11 ديسمبر/أ ش أ/ من.. أحمد طارق :
حشود وكثافات عمت محافظات الجمهورية من الناخبين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، واختيار من يمثلهم لقيادة سفينة الوطن في السنوات الست المقبلة، بإرادة حرة، وكأن اتفاقًا جمعيًا دفعهم لهذه المشاركة التي فاجئت الجميع من وسائل الإعلام المحلية والدولية والمتابعين المحليين والدوليين، وحتى الهيئة الوطنية للانتخابات القائمة على إدارة هذا الاستحقاق الدستوري المهم.
كيف ولماذا كانا السؤالين الأبرز لدى وسائل الإعلام الدولية في التعبير عن دهشتهم من هذا المشهد الدال على تعزيز الديمقراطية في مصر، غير أن المنخرط في دروب الوطن يدرك أن الباعث الأول لهذا المشهد الوطني يستمد قوته من قيم المواطنة التي أولاها دستور 2014 أهمية خاصة.
المواطنة والمساواة بين المواطنين أينما كانوا، خارج أرض الوطن أو داخله أو في أقصى المناطق النائية منه، لهم نفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات، هو ما أبداه المصريون بالخارج في مشهد احتشادهم أمام مقار البعثات الدبلوماسية المصرية في 121 دولة ليدلوا بأصواتهم أمام 137 لجنة فرعية بداخل مقار السفارات والقنصليات أيام 1 و2 و3 من شهر ديسمبر الجاري، تخضع جميعها لنفس الضوابط الحاكمة لإدارة الانتخابات الرئاسية في الداخل.
المواطنة وحرية التنقل، أيضًا كانت سمة تساوى فيها المواطنون أمام الدستور وقانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، فمصر تعد من الدول القلائل التي تمنح حق التصويت في الاستحقاقات الديمقراطية للمقيمين خارج البلاد بنفس الدرجة للمتواجدين على أرض الوطن، بينما دول أخرى ترهن هذا الحق بعدد السنوات الإقامة في الخارج ودول أخرى تحجبه بمجرد مغادرة الوطن الأم.
أما في الداخل فحتى الانتقال بين المحافظات، للسياحة الداخلية أو العمل، مشمول بحقوق الممارسة السياسية، وفي المقدمة منها حق الاقتراع والإدلاء بالصوت الانتخابي، عبر لجان الوافدين والمغتربين التي انتشرت في مختلف المحافظات، وذلك لتمكين المواطن من ممارسة حقه في اختيار من يمثله لقيادة البلاد.
انعكست هذه الحرية والحق في مشهد مهيب من احتشاد الوافدين أمام اللجان المخصصة لهم في كل المجتمعات العمرانية الجديدة، والمجمعات الصناعية، والمدن السياحية، ليشاركوا بإيجابية ووطنية في إبداء رأيهم واختيار من يمثلهم.
والمؤكد أنه ليس في دستور مصر افتئات على الحقوق تحت ذريعة المساواة، بل إعلاء لحق كل ذوي احتياج خاص واعتباره ذو همة تُسخّر له الدولة المورد والموطئ ليمارس حقه السياسي وإبداء رأيه بآلية تلائم احتياجه.
وقد اتخذت الهيئة الوطنية للانتخابات من جانبها، حزمة من التدابير الواسعة لتمكين ذوي الهمم من المشاركة الإيجابية في كل استحقاق ديمقراطي، وفصّلتها بما يتناسب مع كل إعاقة؛ لتستحدث بطاقات الاقتراع المطبوعة بطريقة (برايل) حتى يتمكن ذوو الإعاقة البصرية من التمتع بحقوقهم في ممارسة الاقتراع السري مسترشدين وقارئين لبطاقات الاقتراع كغيرهم من المواطنين، نفاذًا لأسمى قيم الدمج المجتمعي.
كما استحدثت “الوطنية للانتخابات” دعم اللجان والمقار الانتخابية، باللوحات الإرشادية؛ لتمكين ذوي الإعاقة السمعية، من متابعة كل المجريات والاستدلال دون الحاجة لمعين غير قرارهم الراسخ في الوجدان باختيار من يمثلهم في ذلك الاستحقاق الدستوري المهم.
الأعلام ترفرف، والوجوه باسمة، والأطفال حاضرة.. مشاهد تتكرر في كل استحقاق ديمقراطي مصري في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، فالتنافس كله لصالح الوطن والمواطن، والأمن والاستقرار يعمان البلاد ويشملان كل أطيافه، دون تمييز أو محاباة أو أجندات خفية.
الانتخابات الرئاسية الحالية، تجري جريان النهر العظيم في درب الشفافية، فالهيئة الوطنية للانتخابات، اختارت في هذا الاستحقاق الأهم، أن تزيد كل ما يمكن إضافته ويتسق وصحيح القانون لضمان النزاهة والشفافية، بدءًا من الاستجابة لتوصية “الحوار الوطني” بالإشراف القضائي الكامل على كل صندوق بإجمالي 15 ألف قاض يعاونهم 60 ألف موظف، وذلك في 11 ألفًا و631 لجنة فرعية تقع بداخل 9376 مركزًا انتخابيًا.
وتُجري غرفة عمليات الهيئة الوطنية للانتخابات، مباشرتها ومتابعتها على مدار الساعة للجان العامة ولجان المتابعة بمختلف محافظات الجمهورية، على مرأى ومسمع وسائل الإعلام وفي بث مباشر، حيث تُطرح الأسئلة المباشرة عن المعوقات والملاحظات والشكاوى، وكذا يتخذ فيها الإجراءات فورًا لتذليل كل ما قد يطرأ ليعوق سير العملية الانتخابية.
تجرى الانتخابات الرئاسية في ظل اهتمام الإعلام الدولي، حيث حصل 528 صحفيًا وإعلاميًا دوليًا ما بين زائر ومقيم، على تصاريح من الهيئة الوطنية للانتخابات تمكنهم من متابعة مجريات العملية الانتخابية، فضلًا عن اعتماد الهيئة لـ115 وكالة أنباء وصحف وشبكات تلفزيونية إخبارية عربية وإقليمية ودولية لأعمال التغطية الإخبارية للانتخابات.
كما أصدرت الهيئة الوطنية للانتخابات تصاريح متابعة إعلامية لـ 4218 صحفيًا وإعلاميًا يمثلون 70 وسيلة إعلامية وصحفية محلية، بالإضافة إلى إصدار تصاريح لـ 67 دبلوماسيا أجنبيا تمكنهم من المتابعة ويمثلون 24 بعثة دبلوماسية في القاهرة وذلك بعد أن تقدموا بطلب للهيئة في هذا الشأن.
ويشارك في متابعة الانتخابات الرئاسية 14 منظمة دولية، بإجمالي 220 متابعًا، إلى جانب 62 منظمة مجتمع مدني محلية بإجمالي 22 ألفًا و 340 متابعًا؛ بما يؤكد أن الكل يرى ما يسطره المصريون من ملحمة حقيقية بدأ فصلها الأول في تصويت المصريين بالخارج وفصلها الثاني في تصويت الداخل وتستمر فصولها في بلد بدأت ثم جاء التاريخ من بعدها.
إ س
/أ ش أ/