تقرير – كمال السيد
الهيمنة الفرنسية التاريخية على بؤر استعمارها القديمة في إفريقيا، تحاربها فيها تواجدات روسيا خلال الفترة الأخيرة بالذات بقيادة ميلشيا فاجنر الروسية في العديد من دول الساحل والصحراء وحتى حوضي النيجر والنيل، وتعد جمهورية أفريقيا الوسطى نموذج بارز من “ساحات التنافس الروسي الغربي”.
أفريقيا الوسطى، هى نموذج ناجح لسياسة موسكو في الوجود العسكري غير الملزم للدولة عبر مليشيا فاجنر، التي سيطرت على ثروات البلاد الطبيعية في مقابل تقديم الدعم العسكري الكفيل بتأمين النظام الحاكم واستقراره في مواجهة حركات التمرد.
وتنتشر الشركات الروسية في أفريقيا، إذ تنقب عن البوكسيت في غينيا والألماس في أنجولا، كما تعمل على استخراج الغاز الصخري من موزمبيق، ضمن استراتيجية تقوم على توسيع نفوذ موسكو الاقتصادي والعسكري في أفريقيا بشكل متسارع، إذ تقدم نفسها بديلا عن القوى الاستعمارية السابقة، وعلى رأسها فرنسا التي انتزعت منها أفريقيا الوسطى ومالي في ظل وجود ميراث سابق من العلاقات بين تلك البلدان والاتحاد السوفييتي، الذي سبق أن دعم حركات التحرر الأفريقية خلال القرن الماضي.
صراع تشاد وأفريقيا الوسطىفي يونيو 2021، عزّزت تشاد قوّاتها على الحدود مع جمهورية أفريقيا الوسطى، بعد مقتل ستّة عسكريين تشاديين في هجوم شنّه على مركزهم الحدودي جيش أفريقيا الوسطى، وبعدها بشهر، أعلنت الخارجية الروسية، في أوائل شهر يوليو 2021، أن روسيا أرسلت 600 جندي إضافي إلى قواتها الموجودة في جمهورية أفريقيا الوسطى لتدريب الجيش والشرطة والحرس الوطني، ليرتفع عدد الجنود الروس في البلاد إلى 1135 جنديا روسيا، كما أن مرتزقة شركة “فاجنر” الأمنية الروسية ينشطون في تدريب الجيش وحراسة الشخصيات المهمة.
الذهب واليورانيوم والألماسيسيطرون على مناجم الذهب والألماس واليورانيوم في مناطق الصراع القريبة من دولة تشاد، التي تعد قلعة فرنسا الحصينة، كما أنها كانت مقر قيادة القوات العسكرية الفرنسية منذ الاستعمار الفرنسي بسبب توسطها قارة أفريقيا، وباريس وحلفاءها لديهم مصالح كبيرة في المنطقة وكذلك تخوفات مشتركة من حدوث انقلاب على محمد إدريس ديبي، نجل الرئيس الراحل “حليف إسرائيل”، الذي يتهم روسيا بأنها دعمت جبهة الوفاق من أجل التغيير المعارض التي خاضت مواجهات شرسة ضد الجيش التشادي بدعم من مليشيا فاجنر، ما تسبب في وفاة الرئيس السابق إدريس ديبي في إبريل 2021، لذلك تدعم باريس نجامينا لمواجهة النفوذ الروسي.
الصراع المحتدمبدورها، تدعم تشاد معارضة أفريقيا الوسطى الموجدة داخل حدودها بإيعاز من فرنسا، لتغيير المشهد لصالح القوى الموالية لباريس، وترفض باريس بعض أطراف المعارضة، مثل التحالف العسكري الذي يقوده علي دراسة المنتمي لقومية الفلاتة بسبب المشاكل التاريخية بين هذه القومية وباريس ومناهضتها لها.
لمن لا يعرف ، فإن أحداث أفريقيا الوسطى تؤثر على كل المنطقة بما فيها الأمن القومى المصري، لتأثيرها على السودان وجنوب السودان وليبيا والكونغو، لأن فرنسا أدركت أن خروج أفريقيا الوسطى من دائرة نفوذها تكلفته كبيرة، إذ تعاني من ارتدادات في الكونغو، التي وقعت روسيا اتفاقية ثنائية معها في عام 2019 لتفويض مستشارين عسكريين روس ينشطون في تدريب قواتها المسلحة، وكذلك الكاميرون التي تعد ضمن أهم الدول المستوردة للأسلحة الروسية في القارة، ومن بينها الجزائر وأنجولا والسودان ونيجيريا وموزامبيق والسنغال، لذلك تحاول فرنسا تغيير هذا الوضع مهما كلف الأمر من ثمن.
تراجع نفوذ فرنساوبسبب تراجع نفوذ باريس في مناطق كانت تعد ضمن حدائقها الخلفية، مثل دول الساحل الأفريقي، أطلقت فرنسا قبل أيام الاستراتيجية الجديدة لمراجعة كيفية إدارة علاقاتها مع دول القارة السمراء، إذ دعا الرئيس ماكرون في خطاب له إلى “التحلي بالتواضع” وإلى ضرورة “بناء علاقة جديدة ومتوازنة ومسؤولة مع دول القارة الأفريقية”، معلناً انتهاء “عصر فرنسا الأفريقية”، وهو ما يعد محاولة واقعية لمواجهة حالة السخط الشعبي ضد باريس بعدما خرجت تظاهرات ضدها في شوارع باماكو في مالي، وواجادوجو في بوركينا فاسو.
نخب الانقلاباتكما أن جيلا جديدا من النخب المتحالفة مع العسكريين الذين قادوا انقلابات عسكرية في مالي وبوركينا فاسو يعمدون إلى تقويض الوجود الفرنسي وتقليص نفوذ باريس، التي كانت يوما ما تتحكم بشكل كامل في ثروات تلك البلاد ومن يحكمها، إذ لم تمتلك تلك الدول المستقلة بنوكا مركزية لطباعة عملتها بسبب سيطرة باريس على مواردها، كما أن الشركات الفرنسية كانت تسيطر على جميع المرافق الرئيسية كالمياه والكهرباء والهاتف والنقل والموانئ والبنوك الكبرى، والشيء نفسه في التجارة والبناء والزراعة، وتحتكر المواد الخام لصالحها، وتكتمل الدائرة عبر ذهاب كبار الضباط للتدريب في فرنسا، التي تتدخل ضد أي نظام يخرج عن طوعها عبر دعم المعارضة المسلحة بشكل مباشر، أو عن طريق الامتناع عن التدخل العسكري لإنقاذ النظام إذا ما تعرض لتهديد المعارضة المسلحة.
المعارضة التشاديةمعسكرات المعارضة التشادية في أفريقيا الوسطى حقيقة واقعة لا يمكن إنكارها، و”تشاد تحتضن معارضة أفريقيا الوسطى، وأفريقيا الوسطى تحتضن معارضة تشاد”.
وتدور في المنطقة حرب قائمة على الكر والفر بين المتمردين والجيش الحكومي، إذ ذكر بيان للمعارضة المسلحة في أفريقيا الوسطى، صدر في 14 فبراير الماضي، أن قوات التحالف القومي من أجل التغيير، بقيادة الجنرال علي محمد دراسه، هاجمت القوات الحكومية وكبدتها خسائر في الأرواح والعتاد، واستولت على معدات حربية في الهجوم الذي وقع على بعد 18 كيلومترًا من بلدة جورديل على محور بيراو، سقطت على أثره مدينة أنداه الغنية بالموارد الطبيعية.
وتابع البيان بأن القوات الخاصة بجيش أفريقيا الوسطى (الفاكا) أُجبرت على الإنسحاب، واستولت المعارضة على عدد كبير من الأسلحة والذخائر وسيارات الدفع الرباعي.
مقاتلون مسلمون ومسيحيونوبحسب صحيفة nouvellesplus الأفروسطية المؤيدة للرئيس توديرا، فإن المعارضة المسلحة للنظام الحاكم في جمهورية أفريقيا الوسطى موجودة في معسكرات على الحدود، تضم مقاتلي السيلكا (مسلمون) ومقاتلون الأنتي بلاكا (مسيحيون)، ويقدم لهم ضباط من الجيش التشادي دورات تدريبية، والذين يتدربون أساسا على يد روسيا وإسرائيل وقبلهما فرنسا ، لكن القيادي في قوات الوحدة من أجل سلام أفريقيا الوسطى المعارضة، عيسى أحمد بشار، نفى تلك الاتهامات بقوله: “لا توجد قوات المعارضة في دولة تشاد والسودان، وهذه أكاذيب يطلقها إعلام الرئيس توديرا (رئيس أفريقيا الوسطى المدعوم من روسيا)، قوات المعارضة توحدت جميعها خلف راية واحدة بالفعل في داخل أفريقيا الوسطى، ولم يعد هناك أنتي بالاكا أو سيلكا، بل مقاتلون من أجل حرية أفريقيا الوسطى، ونقترب من العاصمة وعلى مسافة 45 كيلومترا منها فقط، وتابع: “لن نتوقف حتى تحرير أفريقيا الوسطى من الذين يسرقون ثرواتها الطبيعية ويقتلون شعبها”.
الأزمة في تشاد وإفريقيا الوسطى، واحدة من أبرز الحروب الداخلية الإفريقية والتنازعات الحدودية بسبب التناحرات الأجنبية على ثروات القارة، وواضح فيها روسيا وفرنسا ، لكن هناك قوى أخرى منها إيران وإسرائيل والصين وأمريكا والخليج، وهذا مجرد نموذج فقط، ونتابع الملف لأهميته الكبيرة على الأمن القومى المصري، فلابد من طرق وآليات غير تقليدية لتواجدات مصرية عاجلة ومؤثرة.