استراتيجيات التحكم في الشعوب مطبقة في دول العالم أجمع، قد استند نعوم تشومسكي عند شرحه لها، على وثيقة سرية يرجع تاريخها إلى 1979 و تم العثور عليها سنة 1986 بالصدفة البحتة، و كانت تحمل اسما مثيرا و هو ” الأسلحة الصامتة لخوض حروب هادئة “.
الوثيقة عبارة عن كتيب إرشادي و دليل للتحكم في البشر و تطويع المجتمعات للسيطرة على مقدرات الدول.
1- إستراتيجية الإلهاء و التسلية وتعتبر عنصر أساسي لتحقيق الرقابة على المجتمع، عبر تحويل انتباه الرأي العام عن القضايا الهامة والتغيرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية، مع إغراق النّاس بوابل متواصل من وسائل الترفيه، في مقابل شحّ المعلومات وندرتها.
وهي استراتيجية ضرورية أيضا لمنع العامة من الوصول إلى المعرفة الأساسية في مجالات العلوم والاقتصاد وعلم النفس وعلم الأعصاب، وعلم التحكم الآلي. “حافظوا على اهتمام الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، اجعلوه مفتونا بمسائل لا أهمية حقيقية لها.
أبقوا الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا، لا وقت لديه للتفكير، و عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات.
2- إستراتيجية افتعال الأزمات و المشاكل وتقديم الحلول كما يسمّى هذا الأسلوب “المشكلة/ التّفاعل / الحلّ”.
يبدأ بخلق مشكلة، وافتعال”وضع مّا” الغاية منها انتزاع بعض ردود الفعل من الجمهور، بحيث يندفع الجمهور طالبا لحلّ يرضيه.
على سبيل المثال:
-السّماح بانتشار العنف في المناطق الحضرية، أو تنظيم هجمات دموية، حتى تصبح قوانين الأمن العام مطلوبة حتّى على حساب الحرية.
-خلق أزمة اقتصادية يصبح الخروج منها مشروطا بقبول الحدّ من الحقوق الاجتماعية وتفكيك الخدمات العامّة، ويتمّ تقديم تلك الحلول المبرمجة مسبقا، ومن ثمّ قبولها على أنّها شرّ لا بدّ منه.
3- إستراتيجية التدرّج لضمان قبول ما لا يمكن قبوله يكفي أن يتمّ تطبيقه تدريجيّا على مدى 10 سنوات.
بهذه الطريقة فرضت ظروف اقتصاديّة و اجتماعيّة مثّلت تحوّلا جذريّا كالنيوليبراليّة و ما صاحبها من معدلات البطالة الهائلة و الهشاشة والمرونة.
العديد من التغييرات التي كانت ستتسبّب في ثورة إذا ما طبقت بشكل مفاجئ، يتمّ تمريرها تدريجيّا وعلى مراحل.
4- إستراتيجية التأجيل هناك طريقة أخرى لتمرير قرار لا يحظى بشعبية هو تقديمه باعتباره “قرارا مؤلما ولكنّه ضروريّ “، والسّعي إلى الحصول على موافقة الجمهور لتطبيق هذا القرار في المستقبل.
ذلك أنّه من الأسهل دائما قبول القيام بالتضحية في المستقبل عوض التضحية في الحاضر.
و لأنّ الجهد المطلوب لتخطّي الأمر لن يكون على الفور، ثم لأنّ الجمهور لا يزال يميل إلى الاعتقاد بسذاجة أنّ “كلّ شيء سيكون أفضل غدا”، و هو ما قد يمكّن من تجنّب التضحية المطلوبة.
وأخيرا، فإنّ الوقت سيسمح ليعتاد الجمهور فكرة التغيير و يقبل الأمر طائعا عندما يحين الوقت.
5- مخاطبة الجمهور على أنّهم قصّر أو أطفال في سنّ ما قبل البلوغ معظم الإعلانات الموجّهة للجمهور العريض تتوسّل خطابا و حججا وشخصيات، أسلوبا خاصّا يوحي في كثير من الأحيان أنّ المشاهد طفل في سنّ الرضاعة أو أنّه يعاني إعاقة عقلية.
كلّما كان الهدف تضليل المشاهد، إلاّ وتمّ اعتماد لغة صبيانية.لماذا؟ “إذا خاطبت شخصا كما لو كان في سنّ 12 عند ذلك ستوحي إليه أنّه كذلك وهناك احتمال أن تكون إجابته أو ردّ فعله العفوي كشخص في سنّ 12 “.
6- مخاطبة العاطفة بدل العقل التوجّه إلى العواطف هو الأسلوب الكلاسيكي لتجاوز التحليل العقلاني، وبالتالي قتل ملكة النقد.
وبالإضافة إلى أنّ استخدام السجل العاطفي يفتح الباب أمام اللاوعي ويعطّل ملكة التفكير، ويثير الرّغبات أو المخاوف والانفعالات.
7- إغراق الجمهور في الجهل والغباء لابدّ من إبقاء الجمهور غير قادر على فهم التقنيات والأساليب المستعملة من أجل السيطرة عليه واستعباده.
يجب أن تكون نوعية التعليم الذي يتوفّر للمستويات التعليميّة الدنيا سطحيّا بحيث تحافظ على الفجوة التي تفصل بين النخبة و العامّة و أن تبقى أسباب الفجوة مجهولة لدى المستويات الدنيا.
8- تشجيع الجمهور على استحسان الرداءة تشجيع العامّة على أن تنظر بعين الرضا إلى كونها غبيّة و مبتذلة و غير متعلّمة9- تحويل مشاعر التمرّد إلى إحساس بالذّنب دفع كلّ فرد في المجتمع إلى الاعتقاد بأنّه هو المسئول الوحيد عن تعاسته، وذلك بسبب محدوديّة ذكائه و ضعف قدرته أو جهوده.
وهكذا، بدلا من أن يثور على النظام الاقتصادي يحطّ الفرد من ذاته و يغرق نفسه في الشّعور بالذنب، ممّا يخلق لديه حالة اكتئاب تؤثر سلبا على النشاط، ودون نشاط أو فاعليّة لا تتحققّ الثورة.
10- معرفة الأفراد أكثر من معرفتهم لذاتهم على مدى السنوات ال 50 الماضية، نتج عن التقدّم السّريع في العلوم اتّساع الفجوة بين معارف العامة وتلك التي تملكها و تستخدمها النّخب الحاكمة.
فمع علم الأعصاب وعلم الأحياء وعلم النفس التطبيقي وصل “النظام العالمي” إلى معرفة متقدّمة للإنسان، سواء عضويّا أو نفسيا.
لقد تمكّن “النظام” من معرفة الأفراد أكثر من معرفتهم لذاتهم.وهذا يعني أنه في معظم الحالات، يسيطر “النظام” على الأشخاص ويتحكّم فيهم أكثر من سيطرتهم على أنفسهم.