لا يضاهي فرح قادة الائتلاف الحاكم في إسرائيل بفوز الرئيس دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية، سوى فرح أنصاره في الولايات المتحدة.
أما بقية العالم، وتحديداً الفلسطينيين، فإنهم متحفظون ومتوجسون وقلقون، وينتظرون كيف سيتصرف الرجل.
ولا يملكون بعد مجاملة بروتوكولية له بالفوز، سوى أن يربّوا الأمل في أنه قد ينهي الحروب فعلاً، ويغير سياسته «العدائية» المعروفة، وليس أكثر من الأمل.
وأعطى ترمب إشارة قوية، تلقفها الفلسطينيون والإسرائيليون كل بحسب أمنياته، عندما قال بعد فوزه في الانتخابات، إنه سينهي الحروب في العالم، مؤكداً «لن أبدأ الحروب، سأنهيها».
وتبدو الجملة مقلقة لـتل أبيب ومشجعة للفلسطينيين، لكن عليهما (الطرفين) أن ينتظرا شهرين حتى يتسلم منصبه، وأكثر من ذلك حتى ينخرط في السياسة الخارجية.
وبانتظار ذلك، بدا الفرح غامراً في إسرائيل، لدى الائتلاف الحاكم الذي استقبل خبر فوز ترمب، بالترحيب والابتهاج والاحتفال؛ بناءً على قناعة بسيطة، وهي أنهم ينتظرون منه كل دعم ممكن، عسكري وأمني وسياسي، ليس فقط في حربهم ضد إيران ولبنان وقطاع غزة، وإنما أطماعهم الأخرى في إنهاء حلم الفلسطينيين بالدولة، وتهجيرهم، وضم الضفة الغربية فعلياً والجولان وربما مناطق في لبنان.
وهنأ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الرئيس ترمب، قائلاً له: «عزيزَي دونالد وميلانيا، تهانينا على العودة الأعظم.
إن عودتكما التاريخية إلى البيت الأبيض تؤشر إلى بداية جديدة لأميركا وتشكل تجديداً قوياً للالتزام بالتحالف العظيم الذي يسود بين إسرائيل وأميركا».
Dear Donald and Melania Trump,Congratulations on history’s greatest comeback!Your historic return to the White House offers a new beginning for America and a powerful recommitment to the great alliance between Israel and America.This is a huge victory!In true friendship,…
pic.twitter.com/B54NSo2BMA
— Benjamin Netanyahu – בנימין נתניהו (@netanyahu) November 6, 2024
وكان نتنياهو تقريباً أول زعيم هنأ ترمب، ثم بارك له وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، قائلاً: «بارك الله إسرائيل، بارك الله أميركا».
إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي (أ.ب)
وكذلك فعل وزراء آخرون كثيرون بينهم يسرائيل كاتس، وزير الدفاع الجديد الذي وصف فوز ترمب بتاريخي، مضيفاً: «معاً سنعزز التحالف الأميركي – الإسرائيلي ونعيد المختطفين ونقف بثبات لهزيمة محور الشر الذي تقوده إيران».
وضمن سيل من التهاني، خرج وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وكتب على «إكس» عبارة «نعم»، وشارك تغريدة له منذ يوليو (تموز) كتب فيها: «فليبارك الله ترمب».
ولاحقاً، صعد بن غفير إلى منصة الكنيست مبتسماً، واختار أن يهنئ ترمب أولاً: «هذا هو وقت السيادة، هذا هو وقت النصر المطلق، هذا هو الوقت المناسب لسن عقوبة الإعدام للإرهابيين، هذا هو الوقت المناسب لجميع أنواع القوانين» وأضاف: «تهانينا لدولة إسرائيل وبعون الله – حتى النصر المطلق».
وفي ذروة الفرح، وقف رئيس لجنة الدستور عضو الكنيست سيمحا روثمان وأقام صلاة شكر على فوز ترمب، وعلق وزير القدس مئير باروش: «نصلي جميعاً»، وقال عضو الكنيست أوهاد تال من الصهيونية الدينية: «الوضع سيكون عظيماً مرة أخرى»
قال المعلق السياسي في صحيفة «يسرائيل هيوم» ارييل كاهانا إنه في كثير من النواحي، ولأسباب عدّة، كان فوز دونالد ترمب الثاني أكثر دراماتيكية من الأول، ولا شك أن ترمب سوف يغير العالم.
وأضاف: «بالطبع سيأتي إلى حربنا أيضاً.
وسيتم رفع القيود التي فرضها بايدن على إسرائيل، وستحصل إسرائيل على كل ما تحتاج إليه».
واختصر كاهانا الأمر بقوله إن إسرائيل ستحصل على كل ما تحتاج إليه، سبب الفرحة الكبيرة في ائتلاف نتنياهو، لكن نتنياهو فعلاً ينتظر أشياء محددة.
وإضافة إلى ما كتبه بن غفير، فإنهم بشكل عام ينتظرون أشياء كان يصعب فعلها بوجود إدارة الرئيس الحالي جو بايدن.
وقالت صحيفة «يديعوت أحرنوت» إنه بشكل عام، سيعيد فوز ترمب إلى الطاولة حلم «الحق في تطبيق السيادة الإسرائيلية على المستوطنات» في الضفة الغربية.
وأضافت: «هنا في إسرائيل يأملون أن يروا شخصاً مثل مايك بومبيو في منصب وزير الدفاع.
ومن الممكن أيضاً ترقية سفير ترمب السابق لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، إلى منصب رفيع – الأمر الذي سيجعل المستوطنين سعداء للغاية.
فريدمان، وهو مؤيد واضح لإسرائيل ومؤيد للاستيطان، ونشر خطة سياسية لمستقبل إسرائيل، جزء كبير منها هو تطبيق السيادة على يهودا والسامرة (الضفة الغربية)».
سيارات تمر أمام لوحة إعلانية كبيرة تهنئ الرئيس السابق دونالد ترمب عند تقاطع مروري في مدينة تل أبيب الأربعاء (أ.ف.ب)
بالإضافة إلى ذلك، فإن فوز الجمهوريين قد يدفع بشكل كبير قضية التطبيع في المنطقة.
أما في قضية إيران، فإن فوز ترمب سيدخل في نطاق اعتبارات الإيرانيين في الطريق إلى القرار النهائي بشأن مهاجمة إسرائيل أو تجنب الرد الذي خططوا له.
نقطة أخرى مهمة هي أن «فوز ترمب قد يقلل أيضاً من احتمال أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مذكرات اعتقال ضد نتنياهو ووزير الدفاع المُقال يوآف غالانت؛ لأنه في الماضي منع بايدن فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، والتي يمكن لترمب الآن التهديد بها.
يعتقدون في إسرائيل كذلك أنه مع وجود إمكانية لفرض حظر على الأسلحة، فإن الرئيس الجمهوري سيلغي ذلك في أول يوم له في منصبه.
وتخشى إسرائيل الآن وحتى وصول ترمب من انتقام إدارة بايدن.
وقالت «يديعوت أحرنوت» إنه «ينبغي القول إن البلاد تدخل مرحلة حرجة.
من الآن وحتى تنصيب الرئيس ترمب في 20 يناير (كانون الثاني)، الرئيس بايدن هو رئيس كل شيء ولديه القدرة على فعل ما يريد.
وفي إسرائيل علينا أن نضع في الحسبان احتمال أن يستغل بايدن هذه الفترة لتصفية الحسابات مع نتنياهو.».
وقال المعلق السياسي في «يديعوت» رون بن يشاي إنه من المرجح بعد خسارة هاريس، أن يعود بايدن ويأخذ عجلة القيادة بين يديه، وسيكون متحرراً من قيود الحملة الانتخابية، ومن إرهاب الجناح التقدمي المتطرف، وبالتالي يريد أن يترك وراءه إرثاً واضحاً سيبقى في الذاكرة.
وأضاف: «ليس لديه الكثير ليفعله في الشؤون الأميركية الداخلية، لكنه يود في الشرق الأوسط أن يُسجل باعتباره الشخص الذي أنهى الحرب في غزة ولبنان، ووضع حداً لمعاناة الفلسطينيين وردع إيران».
ويرى بن يشاي «أن إدارة بايدن خلال الشهرين المتبقيين له، ستطالب إسرائيل بزيادة كبيرة في كمية المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة، وتخفيف حدة القتال في شمال قطاع غزة، والموافقة على إدارة بديلة في غزة تضم، على الأقل رسمياً، أعضاء السلطة الفلسطينية».
وتابع: «الخلاف الرئيسي سيكون حول المختطفين.
ربما يريد بايدن أن يُنسب إليه الفضل في عودتهم»، وتساءل: «ماذا سيفعل كل هذا بالائتلاف؟ من الصعب التقدير».
وإذا كان الإسرائيليون ينتظرون وصول ترمب بلهفة، فليس هذا هو الوضع في رام الله.
وثمة مخاوف عالية لدى القيادة الفلسطينية من ألا يغير ترمب سياسته السابقة.
رام الله بين القلق من وصول ترمب والآمال بالسلام (أ.ف.ب)
وقالت ورقة بحثية لمركز رصد للدراسات السياسية والاستراتيجية في لندن إن فترة ترمب السابقة كانت محملة بقرارات أثرت سلباً على الفلسطينيين، أبرزها نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بها عاصمةً لإسرائيل، وإلغاء التمويل الأميركي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وكلها سياسيات ساهمت في عزلة السلطة الفلسطينية وتهميش مطالبها السياسية.
وأضافت أن «ثمة مخاوف من أن تستمر هذه السياسات أو تتوسع لتشمل إجراءات أكثر صرامة، مثل تقليص المزيد من الدعم الدولي للفلسطينيين أو تشجيع خطط استيطانية إضافية.
وبالنسبة للفلسطينيين، يعني ذلك مواجهة واقع جديد يزيد من تعقيد الأوضاع السياسية والاقتصادية والإنسانية».
وإضافة إلى ذلك، معروف أن ترمب من أشد المعادين لفصائل المقاومة، وقد خرج عند مقتل زعيم «حماس» يحيى السنوار قائلاً إن مقتله يمثل خطوة مهمة في سبيل استقرار المنطقة.
ولا يملك الفلسطينيون الآن سوى الانتظار.
ولم يفت الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يهنئ ترمب، وقال إنه يتطلع إلى العمل مع الرئيس ترمب من أجل السلام والأمن في المنطقة.
وفي رسالة لترمب قال عباس: «سنظل ثابتين في التزامنا بالسلام، ونحن على ثقة بأن الولايات المتحدة ستدعم تحت قيادتكم التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني».
فلسطينيان يتابعان أخبار فوز ترمب في صالون حلاقة برام الله (أ.ف.ب)
ودعم الدولة الفلسطينية جُلّ ما يريده الفلسطينيون من ترمب، لكنهم اليوم يتطلعون أولاً لإنهاء الحرب.
وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إنه يأمل أن يتبنى ترمب سياسات واضحة تنهي الحروب وتدفع نحو إحلال السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وتقريباً هذه أمنيات «حماس» كذلك.
وقال القيادي في الحركة سامي أبو زهري، إن فوز ترمب بالمنصب «جعله أمام اختبار لترجمة تصريحاته بأنه يستطيع وقف الحرب خلال ساعات».
وقالت «حماس» في أول تعقيب على نتائج الانتخابات الرّئاسية الأميركية إن موقفها من الإدارة الأميركية الجديدة، يعتمد على مواقفها وسلوكها العملي تجاه شعبنا الفلسطيني وحقوقه المشروعة وقضيته العادلة.
من الصعب تقييم ماذا ستكون سياسة ترمب، بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين كذلك؛ لأن الرجل بحسب ما تصفه وسائل الإعلام الإسرائيلية، «متقلب المزاج ولا يمكن التنبؤ به وعاطفي للغاية».
صحيفة إلكترونية اخبارية متخصصه فى الشئون العربية واهم الاخبار