هذا ما جاء على لسان ليزا دوتن، مديرة قسم التمويل والشراكات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (الأوتشا) خلال جلسة لمجلس الأمن خصصت لمناقشة سبل حماية العاملين في المجال الإنساني والأمم المتحدة في النزاعات المسلحة.
وقالت السيدة دوتن إن العامين الماضيين على وجه الخصوص كانا مدمرين للقطاع الإنساني، حيث تصاعدت حصيلة القتلى بين عاملي الإغاثة “بمعدل صادم”، فيما تعرض الكثيرون إلى الإصابة والاختطاف والهجوم والاحتجاز التعسفي في دول عدة – منها أفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا ولبنان ومالي وميانمار وجنوب السودان والسودان وسوريا وأوكرانيا واليمن.
إلا أنها أشارت إلى أن الجزء الأكبر من “الارتفاع غير المسبوق” في أعداد ضحايا من عمال الإغاثة يعود إلى الوضع في غزة، حيث فقد أكثر من 330 عاملا إنسانيا حياتهم منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وكان أغلبهم من موظفي الأونروا.
ودعت مجلس الأمن إلى حماية زملائها في غزة، وأضافت: “تشير هذه الأرقام إلى عدم احترام مقلق لأرواح المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والأمم المتحدة. لا يوجد وضع في التاريخ الحديث يضاهي ذلك”.
توصيات لتعزيز الحماية
وبالنيابة عن وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية المعين حديثا توم فليتشر – الموجود حاليا في السودان، قالت السيدة دوتن إن الأمم المتحدة وشركاءها في المجال الإنساني يبذلون قصارى جهدهم لتعزيز إدارة المخاطر الأمنية بشكل كبير، “ومع ذلك، عندما تختار أطراف النزاع استهداف العاملين في المجال الإنساني، أو تختار تجاهل التزاماتها بموجب القانون الدولي بتجنيب تعرضهم للمخاطر، فلن يساعد أي قدر من إدارة الأمن هؤلاء العمال”.
وفي معرض تقديمها لتوصيات الأمين العام لتعزيز حماية العاملين الإنسانيين والأمميين، دعت مجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات في ثلاثة مجالات حاسمة، بما في ذلك إدانة الهجمات ضد العاملين في المجال الإنساني بشكل واضح، وضمان المساءلة، وتقديم مزيد من الدعم للضحايا والناجين من الأذى.
ودعت المجلس إلى رفض ومكافحة التضليل والمعلومات المضللة وخطاب الكراهية الذي يستهدف المنظمات والعاملين في المجال الإنساني والأمم المتحدة، وتحدي “الحملات والإجراءات القانونية غير المبررة ضدهم، مثل الاستهداف غير المقبول للأونروا مؤخرا”.
وقالت مسؤولة الأوتشا إن مكتبها يتطلع إلى الخطوات التالية التي سيتخذها المجلس بشأن القرار 2730، الذي تم اعتماده في أيار/مايو من هذا العام لمعالجة مسألة حماية العاملين في المجال الإنساني والأمم المتحدة ومقارهم وأصولهم.
وقالت إن الإفلات من العقاب على الجرائم ضد هؤلاء العاملين يجب أن ينتهي، وأن أصواتهم تستحق أن تُسمع على أعلى المستويات، بما في ذلك في مجلس الأمن.
هل يقبل المجتمع الدولي؟
من جانبه، قال وكيل الأمين العام لشؤون السلامة والأمن جيل ميشو، إن عمليات الأمم المتحدة أضحت اليوم أكثر تعقيدا وخطورة مما كانت عليه قبل ما يقرب من 20 عاما عندما تم إنشاء الإدارة التي يرأسها، وقد تحول التهديد من الجماعات المسلحة حصريا ليشمل الجهات الفاعلة في الدول.
وأشار السيد ميشو إلى أنه بدون الأفراد الراغبين في الخدمة في ظل هذه الظروف، فإن العمليات الإنسانية وجهود حفظ السلام والتفويضات السياسية التي يدعمها مجلس الأمن “ستتوقف ببساطة عن العمل.” وسلط الضوء على التضحيات التي يقدمها الزملاء المحليون، الذين “يجسدون المرونة والالتزام في مواجهة التحديات الهائلة”.
وأضاف: “نحن في الأمم المتحدة والمجتمع الإنساني على نطاق واسع ارتقينا دائما إلى مستوى مهمة تقديم المساعدة المنقذة للحياة في أكثر الأماكن خطورة في العالم. إنها المهمة التي اخترناها، إلا أن المخاطر تفاقمت. بالنسبة لأولئك الذين يساعدون الأكثر ضعفا، أصبحت مستويات انعدام الأمن التي كانت لا يمكن تصورها ذات يوم هي القاعدة. إن خوفي الوحيد هو أن يقبل المجتمع الدولي ببساطة أن يذهب العاملون الإنسانيون إلى العمل، وهم يواجهون خطرا يوميا مباشرا بتقديم التضحية الأسمى. يتعين على هذا المجلس أن يؤكد مجددا أن هذا لا ينبغي أن يُقبل ولن يُقبل”.
تدهور معايير الأخلاق والإنسانية
من جانبها، قالت آبي ستودارد المؤسسة المشاركة لمجموعة النتائج الإنسانية (Humanitarian Outcomes) – وهي مجموعة بحثية تتعقب الحوادث الرئيسية للعنف ضد عمال الإغاثة في جميع أنحاء العالم – إن العنف اليوم هو المسبب الرئيسي لقتل العاملين الإنسانيين في سياق عملهم، وهو تحول كبير عما كان عليه الحال قبل 30 عاما عندما كانت أعظم المخاطر التي يواجهونها هي الحوادث والأمراض.
وأبلغت السيدة ستودارد المجلس أن عام 2023 كان العام “الأكثر دموية” على الإطلاق بالنسبة لعمال الإغاثة، وأن عدد الوفيات في عام 2024 تجاوز بالفعل إجمالي العام الماضي المروع.
وأوضحت قائلة: “اعتبارا من صباح اليوم، بلغ عدد القتلى 282 وما زال العدد في ازدياد. بعبارة أخرى، بدلا من ارتفاع قصير الأجل، يبدو أننا ننظر إلى شيء أشبه بتغير كبير”.
وقالت السيدة ستودارد إن حقيقة أن الجهات الفاعلة ذاتها المكلفة بدعم القانون الدولي الإنساني وحماية وتسهيل المساعدات الإنسانية، “أصبحت بدلا من ذلك المصدر الرئيسي للتهديد والعائق أمامها، تؤكد خطورة الموقف، ولها عواقب وخيمة ليس فقط على وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، بل وأيضا على الاستقرار والنظام العالميين”.
وشددت على أنه على الرغم من أن حياة عمال الإغاثة الإنسانية “لا تساوي أكثر أو أقل من أي مدني آخر يتأثر بالحرب”، فإن الارتفاع الحاد في عمليات قتل عمال الإغاثة “يشير بالتحديد إلى ارتفاع عدم الاستقرار وتدهور معايير الأخلاق والإنسانية. ومع كل خطوة تغيير تأتي المخاطر التي قد نضطر إلى التكيف معها، حيث يصبح ما لا يمكن تصوره هو الوضع الطبيعي الجديد”.
وحثت السيدة ستودارد المجتمع الدولي على مقاومة هذا التطبيع، “والاحتفاظ بالقدرة على الصدمة، والدافع لاتخاذ إجراءات تصحيحية”. وأضافت أن تعزيز حماية عمال الإغاثة والإصرار على المساءلة الحقيقية عن العنف ضدهم، لا يساعد فقط في تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة، بل يدعم الاستقرار ويمكن القدرة على بناء السلام.
“نعرف أصواتهم وضحكاتهم”
قبيل اجتماع مجلس الأمن، تحدثت السيدة أندريا كانيبا من الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر للصحفيين خارج قاعة المجلس وقالت إن الحداد “أصبح واقعنا اليومي، حيث كتب أميننا العام ورئيسنا رسائل تعزية في معظم الأسابيع هذا العام”.
وقالت إن 30 من زملائها قُتلوا أثناء تأدية واجبهم عام 2024 فقط، وأضافت: “بالنسبة للعديد منا الذين قضوا الجزء الأكبر من سنوات عملهم الإنساني في العمل العملياتي، فإننا نعرفهم كأفراد، وليس كإحصائيات. نتذكر مهاراتهم الفنية وتألقهم، ونعرف أيضا ألقابهم وأسماء أطفالهم والطريقة التي كانت تبدو بها أصواتهم وضحكاتهم”.
ومن بين 191 جمعية وطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، قالت السيدة كانيبا إن 80 في المائة من جميع الهجمات على المجموعة وقعت في فلسطين والسودان وكان جميع الضحايا من الموظفين المحليين. وأكدت أن هناك “نمطا واضحا” من الهجمات ومحاولات متزايدة لتبريرها “من خلال روايات تسيء تفسير الأطر القانونية الواضحة والمتفق عليها عالميا”.
وحثت الدول على منع هذا الوضع من أن يصبح أمرا طبيعيا، بما في ذلك من خلال “فضح جميع حالات التلاعب والتفسيرات الخاطئة الخطيرة، والتحدث بنشاط لمواجهة سرديات نزع الصفة الإنسانية عن قطاعنا بأكمله، وشعوب بأكملها، ومعارضة التحولات نحو تقليص الوصول أو استبدال العاملين الإنسانيين بجهات فاعلة ليس لها مبادئ”.
الامتناع عن نقل الأسلحة
من جانبه، قال جوش يورغنسن من منظمة “مركز المدنيين في الصراعات” إن استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان يؤدي إلى تدمير المدارس والمستشفيات ومرافق المياه والصرف الصحي، وغالبا ما يكون مدفوعا بنقل الأسلحة بشكل ينتهك القانون الدولي والمحلي.
ودعا مجلس الأمن والدول والهيئات الإقليمية إلى تفعيل القانون الدولي وتحسين حماية المدنيين، بما في ذلك من خلال الامتناع عن نقل الأسلحة “حيثما يكون هناك خطر كبير من استخدامها لارتكاب انتهاكات للقانون الدولي الإنساني”.
وقال: “يجب أن نضع حدا للتصور القائل بأنه لم يعد هناك أي حدود للحرب. إن عكس اتجاه الضرر الذي يلحق بالمدنيين في النزاعات المسلحة ليس مسؤولية قانونية وأخلاقية فحسب، بل هو أمر أساسي للسلام والأمن الدوليين”.
“ليسوا هدفا”
وفي بيان نيابة عن 116 وفدا لدى الأمم المتحدة، أشادت المندوبة الدائمة لسويسرا باسكال بايريسويل، بجميع العاملين الإنسانيين والأمميين “من خط المواجهة إلى هذا المبنى ذاته”، وقالت إن عملهم وتفانيهم يعد ضروريا لإنقاذ الأرواح وتخفيف معاناة الملايين من الناس، بما في ذلك في أكثر من 120 صراعا مسلحا حول العالم.
وقالت السيدة بايريسويل إن أكثر من 500 عامل إنساني قتلوا أو أصيبوا أو احتجزوا أو اختطفوا في جميع أنحاء العالم، وإن التطورات في عام 2024 أكثر إثارة للقلق، مضيفة: “غزة والضفة الغربية هما المكانان الأكثر خطورة على وجه الأرض لعمال الإغاثة، حيث قُتل أكثر من 150 [منهم] منذ بداية العام”.
وفي الوقت الذي يحتفل فيه العالم بالذكرى الخامسة والسبعين لاتفاقيات جنيف، دعت المجتمع الدولي إلى توحيد الجهود لضمان احترام القانون الدولي الإنساني. وأكدت دعم الوفود الـ 116 التي تمثلها، للقرار 2730 بشأن حماية العاملين الإنسانيين والأمميين والمباني والأصول التابعة لهم، ودعت إلى تنفيذه بشكل فوري من قبل جميع الجهات الفاعلة.
وقالت إن توصيات الأمين العام بشأن التدابير الرامية إلى منع حوادث العنف ضدهم “تضيف إلى صندوق الأدوات الذي يسمح لنا بترجمة الإرادة السياسية إلى عمل، لأنه لا يوجد وقت نضيعه”.وقالت: “يجب احترام وحماية المدنيين ومن يساعدهم. فهم ليسوا هدفا”.