القاهرة في 5 ديسمبر /أ ش أ/ جاء إعلان تسجيل “آلة السمسمية: العزف عليها وتصنيعها” في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي بمنظمة اليونسكو، تقديرا لتلك الآلة العريقة وفنونها وعازفيها، كرمز للتراث الشعبي يحمل في طياته قصص الصمود والأمل.
واحتفظت آلة السمسمية بمكانتها في المناسبات الاجتماعية، حيث توحد بين الماضي والحاضر، لتظل شاهدًا على ذاكرة مدن القناة والبحر الأحمر وروحها النابضة.. فما قصة هذه الآلة؟ ومن أبرز فنانيها؟
وظهرت السمسمية كفن شعبي يحمل طابعًا خاصًا، ويرتبط بتاريخ مدن القناة المصرية،ويعتقد البعض أن بدايات هذا الفن تعود إلى فترة حفر قناة السويس في القرن التاسع عشر، حيث لجأ العمال إلى الموسيقى لتخفيف مشقة العمل وقسوة السخرة. ورغم أن هذا الرأي يثير جدلًا حول دقته، فإنه يعكس الحاجة الإنسانية للتعبير الفني وسط ظروف صعبة.
نقلت بعض الروايات أن النوبيين، الذين كانوا يتقنون العزف على آلة الطنبورة، أسهموا في نشر هذا الفن في مدن القناة، بينما اعتبر آخرون أن العمال الفلاحين الذين استُقدموا لحفر القناة لم يكونوا على دراية بهذه الآلة أو بفنونها.
ويُجمع المؤرخون على أن السمسمية امتدت جذورها إلى أكثر من أربعة آلاف عام، كما توثقها النقوش على جدران المعابد المصرية القديمة والآلات المحفوظة في المتاحف حول العالم، وأن مدن القناة (السويس وبورسعيد والإسماعيلية) احتضنت السمسمية، لتتحول من مجرد آلة موسيقية إلى رمز ثقافي وروحي لهذه المدن، سواء أثناء الحفر أو خلال نضالها ضد الاحتلال البريطاني والإسرائيلي فيما بعد.
واشتهرت السمسمية أولاً في السويس، ثم انتقلت إلى بورسعيد، وأخيرًا إلى الإسماعيلية.
وتشير الروايات إلى أن الفنان عبد الله كبربر كان أول من أدخل آلة السمسمية إلى مدن القناة، ومنها انتقل الفن إلى أجيال لاحقة، حيث تعلمها في الإسماعيلية الفنان أحمد السواحلي، أحد رموز الجيل الأول لعازفي السمسمية، تبعه أسماء لامعة مثل عبده العثمللي، ومرسي بركة، وروكا، والوزيري، وأحمد فرج.
وبدأ هؤلاء العازفون باستخدام آلة السمسمية الأصلية، التي كانت تضم خمسة أوتار فقط ومصنوعة يدويًا من الطبق والجلد، وتُعزف دون كهرباء. مع مرور السنوات، شهدت السمسمية تطورًا، حيث أُضيفت إليها أوتار جديدة، فتحولت من خمسة أوتار إلى ستة، ثم إلى 12 وترًا، وصولاً إلى 16 وترًا.
وواجه هذا التطور في الآلة انتقادات، إذ رأى البعض أن زيادة عدد الأوتار يضر بالفن القديم ويقلل من قيمته التاريخية، وأن آلة السمسمية التقليدية ذات الخمسة أوتار، تعتبر جوهر هذا الفن، وأن إضافة الأوتار يجعلها أقرب إلى آلات وترية أخرى مثل القانون، مما يفقدها هويتها الأصلية.
وتبلورت السمسمية كفن يربط بين الموسيقى والتراث الشعبي، ومع الوقت اكتسبت زخمًا كبيرًا بفضل إبداع الفنانين ووعيهم بدورها.
وسجل فنانو السمسمية حضورهم القوي في لحظات وطنية مفصلية، مثل تأميم قناة السويس عام 1956، حين عبّروا بأغانيهم عن الفخر والاعتزاز الوطني.
واستمرت السمسمية في لعب دور مؤثر خلال نكسة 1967 وما تبعها من تهجير أهالي مدن القناة.. حيث رفض بعض السكان مغادرة مدنهم، وتحولت تجمعاتهم الليلية إلى سهرات تعزف فيها السمسمية على وقع الطبول والأغاني الحماسية، مما بثّ روح المقاومة في النفوس.
وأسهمت فرق السمسمية، مثل “أولاد الأرض” بقيادة كابتن غزالي في السويس و”الصامدين” في الإسماعيلية، في إحياء الأمل ودعم الروح المعنوية،وجابت هذه الفرق أنحاء مصر لتقديم حفلات غنائية تعكس صمود الشعب، بينما حافظت على تراث السمسمية وأعادت صياغته ليصبح وسيلة للمقاومة والنضال،وانتشرت أغاني السمسمية مثل “أم الخلول”، التي ابتكرها الفنان كامل عيد، لتصبح جزءًا من الذاكرة الموسيقية للمصريين،وتنوعت إيقاعات السمسمية بين البطيء والسريع، مما أضاف لرقصاتها وألحانها جمالًا فريدًا.
أ ع د/رحا
/أ ش أ/
صحيفة إلكترونية اخبارية متخصصه فى الشئون العربية واهم الاخبار