كتب : محمد تمساح
تأسيس منظمة إعلامية مصرية إقليمية كبرى ، تلعب دورا في الحد من الصراعات في شمال إفريقيا والساحل الإفريقي والمغرب العربي ، بمواجهة وسائل الإعلام الأجنبية النشطة في هذه المناطق ، بما يتجاوز التجربة السلبية للإعلام في إظهار أزمة إثيوبيا..هذه واحدة من أهم توصيات رسالة دكتوراة مصرية جديدة، تركزت على الدور الإعلامى في مواجهة ملفات الأمن القومى المصرية، ولذلك كان من الضرورى استعراض ملخص لها.
الإعلام الرسمى المصرى دوره محورى فى حفظ الأمن القومى بالطبع، وبرز ذلك فى معالجة الأزمة الليبية منذ بدايتها وحتى الآن، والتى تعتبر قضية معقدة تؤثر تداعياتها على مصر والوطن العربى وجنوب أوربا أجمع، على بعض الملاحظات.
هذا ما تمحورت حوله رسالة الدكتوراة ، التى ناقشها اللواء أركان حرب رأفت على الدرس ، مدير العمليات ونائب رئيس أركان قوات الدفاع الجوى ، وناقشها بمعهد الدراسات الافروآسيوية العليا بجامعة قناة السويس ، منذ أيام قليلة، وكانت الرسالة بعنوان : “دور الخطاب الإعلامي الرسمى المصرى فى معالجة الأزمة الليبية فى القترة من ٢٠١١ إلى ٢٠٢١”
نبذة عن الأزمة
وقعت الأزمة الليبية على خلفية ما سمى “ثورات الربيع العربى” عام ٢٠١١م ، والتى جعلت من ليبيا دولة غير مستقرة سياسيا وأمنيا ، وأدخلتها فى دوامة الصراع على السلطة ، ونشب الاقتتال بين أبناء الشعب الواحد ، بالإضافة إلى زيادة التدخلات الأجنبية فى الشأن الليبى مما زاد الأزمة الليبية تعقيدا .
وجعل تداعياتها تؤثر على الدول المحيطة وخاصة مصر .. ورغم أن مصر مرت بأجواء مشابهة كادت توصلها لنفس مربع الأزمة عام ٢٠١١م ، وأعقبها فترات انتقالية ، إلا أنها لم تبتعد عن واقعها العربى المحيط ولم تنشغل بأمورها الداخلية فقط ، ولم تغفل الأزمات التى تعانى منها الدول العربية ..
وكان لذلك انعكاس على خطابات القيادة السياسية تجاه الأزمة الليبية بما يحفظ الأمن القومى المصرى ويحفظ المصلحة الوطنية لدولة ليبيا الشقيقة .
تشكيل اللجنة المشرفة
رسالة دكتوراة اللواء الدرس، مررتها لجنة مناقشة مكونة من الدكتور جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد (مشرفا ورئيسا) ، والدكتور حسن عبدالعليم يوسف العميد الأسبق لمعهد الدراسات الافروآسيوية العليا بجامعة قناة السويس (مشرفا وعضوا) ، والدكتورة هويدا مصطفى العميدة السابقة لكلية الإعلام بجامعة القاهرة (مناقشا وعضوا) والدكتورة شريفة فاضل مصطفى أستاذة العلوم السياسية بجامعة بورسعيد (مناقشا وعضوا) .
وحصل الباحث ، عن هذه الرسالة ، على درجة الدكتوراة بمرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبع الرسالة وتبادلها مع الجامعات العربية والأجنبية ، لتصبح أول دكتوراه فى الإعلام يتم الحصول عليها من معهد الدراسات الأفروآسيوية العليا بجامعة قناة السويس .
تقسيم فترات الأزمة
وكانت الدراسة قد تضمنت أربع فترات مختلفة خلال فترة الدراسة من عام ٢٠١١ إلى عام ٢٠٢١ ، مرت الدولة المصرية خلال كل فترة منها بظروف سياسية وتطورات أمنية مختلفة ، حيث شملت الأربع فترات : فترة الحكم العسكرى برئاسة المشير طنطاوى ، وفترة حكم الإخوان ، والفترة الانتقالية برئاسة عدلى منصور ، وفترة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى ..
ولعرض تطورات الأوضاع المصرية خلال فترة الدراسة مع توضيح طبيعة العلاقات المصرية خلال هذه الفترات ، قسم الباحث الدراسة إلى فترتين ، الأولى من عام ٢٠١١ إلى عام ٢٠١٣ ، وهى الفترة التى شهدت حكم المجلس العسكرى وحكم جماعة الإخوان ، والثانية من عام ٢٠١٣ إلى عام ٢٠٢١ وهى الفترة التى شهدت حكم المستشار عدلى منصور وحكم الرئيس عبدالفتاح السيسى .
الحديث المتزن وقت المجلس العسكري
وتوصلت رسالة دكتوراة الدرس، إلى أنه فى فترة حكم المجلس العسكرى برئاسة المشير طنطاوى اهتمت الأطروحات ،التى تناولها الخطاب الاعلامى بموضوعات محددة جاءت معبرة عن السياق السائد ، فتحددت فى أطر تناولت موضوعات مثل تقديم الرعاية الكاملة للمصريين القادمين من ليبيا ، واتخاذ التدابير اللازمة لحماية المصرين بالخارج ، وإعداد وسائل النقل اللازمة لنقل المصريين إلى وطنهم ، وتلبية احتياجات المصريين فى ليبيا ، والتحذير من خطورة دخول أسلحة قادمة من ليبيا ، وتأكيد دعم العلاقات المتميزة بين مصر وليبيا ، وبحث ملف مشاركة مصر فى إعادة اعمار ليبيا .
رواج تجارة السلاح في سنة الإخوان
أما فى فترة حكم الإخوان ، فقد زاد الموقف الليبى سوءا ، وبات تهريب الأسلحة تجارة رائجة فى ليبيا ، طالت دول الجوار ، وكانت مصر من أكثر الدول المتضررة ، ورغم ذلك جاء الخطاب ليعبر عن استقرار الأوضاع في ليبيا ، رغم الأوضاع التى واجهتها ، وهو ما يمكن تفسيره فى ضوء السياق السائد حيث كان الإخوان على رأس الحكم فى مصر ، كما شهدت ليبيا الصعود السياسى للتيارات الإسلامية.
فترة الرئيس عدلى منصور
أما فى فترة حكم المرحلة الانتقالية برئاسة المستشار عدلى منصور ، فقد تحددت القضايا التى اهتم بها الخطاب فى الحفاظ على أمن المصريين الموجودين فى ليبيا وكيفية التعامل مع أهم التحديات التى تواجه ليبيا واللقاءات التى حدثت بين المسئولين المصريين و الليبيين ، ولم يأت الخطاب متوسعا فى طرح الأزمة الليبية وقضاياها التفصيلية ، حيث كان الوضع السياسى ممتلئا بالعديد من التغييرات خلال فترة زمنية قصيرة .
مبدأ السيسي وانعكاساته على الأزمة
أما فى فترة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى فقد شهدت الأوضاع المصرية خلال هذه الفترة استقرارا انعكس على سياساتها الخارجية تجاه دول الجوار ، وفى ظل هذا الاستقرار حرص السيسى على الارتقاء بقدرات القوة الشاملة للدولة المصرية ، وتعزيز القدرة العسكرية للقوات المسلحة وإعادة تقديم مصر للعالم بعد تراجع مكانتها الدولية ، ودخول السياسة المصرية مرحلة جديدة تؤدى مصر فيها دورا يتعلق بمساندة الدولة الوطنية والحفاظ على سيادتها وهو ما أطلق عليه البعض اسم “مبدأ السيسى” .. وانعكس هذا السياق على خطابات القيادة السياسية تجاه الأزمة الليبية ، كما جاء الخطاب متأثرا بمدخلات النظام التى تمثلت فى الإصلاحات الداخلية التى تولاها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كافة المجالات ، ومعبرا عن مخرجات هذا النظام التى تحددت فى بعدين وهما مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار الاقليمى .
وبذلك رأى الباحث نجاح الخطاب الإعلامي الرسمى المصرى فى معظمه ، بما قدمه من أطروحات مختلفة عبر المراحل الزمنية للدراسة ، فى التوافق مع وضعية المجتمع العربى ومتطلباته .
كما رأى الباحث أن أطروحات هذا الخطاب نبعت من فكر قومى عربى ، استهدف تحقيق المصلحة الوطنية لدولة ليبيا الشقيقة .
التوصيات المهمة للدراسة
وفى نهاية دراسة الباحث اللواء الدرس، أوصى : بضرورة بناء خطة إعلامية مصرية لاستعادة الصورة المصرية التي واجهت تدهورا خاصة في دول المغرب العربي ، وذلك من خلال إحياء المراكز الثقافية المصرية في هذه الدول ..
وأوصى كذلك بتأسيس منظمة إعلامية مصرية إقليمية كبرى تؤدي دورا في الحد من الصراعات في شمال إفريقيا والساحل الإفريقي لمواجهة وسائل الإعلام الأجنبية النشطة في هذه المناطق ، بما يتجاوز التجربة السلبية للإعلام في إظهار أزمة إثيوبيا ..
كما أوصى الدرس بالاهتمام بالبحث في المواقف السياسية للدولة وانعكاسات ذلك على المضامين الإعلامية المختلفة ، خاصةً في ظل الأوضاع الأمنية التي تشهدها المنطقة العربية وتأثيراتها ..
وأوصى أيضا بنشر الوعي لدى المواطن بوجود أطر محددة تعمل وسائل الإعلام في سياقها ، بما يوجهه نحو الوسائل الإعلامية ذات المصداقية العالية لاستقاء المعلومات والبيانات ، خاصةً السياسية ..
وأوصى بأن تنتبه وسائل الإعلام إلى ما هو مسموح برصده والإعلان عنه من معلومات أمنية ، دون نشر المعلومات التي قد تتسبب في خلخلة الأمن أو نشر القلق بين المواطنين ، تمسكًا بالدور الوطني للإعلام ..
كما أوصى بأن تعمل وسائل الإعلام على نشر الروح الوطنية بين الأفراد ، وبث الشعور لديهم بحب الوطن ، والثقة في قياداته السياسية والعسكرية ، بما يؤدي إلى إشاعة الطمأنينة والسكينة في نفوس المواطنين .