كتب: أحمد علي
منذ بدء الصراع في اليمن عام 2014 وتمرد الحوثيين المسلح وحتى الآن؛ الخاسر الوحيد في تلك الحرب كان ولا يزال الشعب اليمني، الذي أصبح بين فكيّ الحرب وبين الأوبئة والمجاعات التي تهدد حياتهم.
أطراف الصراع:
جماعة أنصار الله: جماعة مسلحة شيعية زيدية يقودها أعضاء بارزون من عائلة الحوثي الشيعية.
تتلقى دعم بشكل أساسي من إيران ودعم من حزب الله اللبناني وحركة النجباء العراقية ونظام بشار الأسد وحزب المؤتمر الشعبي العام الموالي للرئيس السابق علي عبدالله صالح.
حكومة عبد ربه منصور هادي- الجيش الوطني.يتلقون دعم بشكل أساسي من التحالف العربي بقيادة السعودية، والمقاومة الشعبية.
العمليات العسكرية: عام 2015 بدء تدخل التحالف العربي_ بطلب حكومة الرئيس هادي_ بعمليات عسكرية مشتركة بالقوات البحرية والجوية والبرية لمواجهة تمرد الحوثيين المسلح، والذي بدوره حقق خسائر كبيرة في صفوف الحوثيين إلا أنه لم يحسم الحرب بعد.
وعبر عملية عاصفة الحزم في مارس 2015، التي استهدفت القواعد العسكرية والمطارات والمنشئات العسكرية ومراكز القيادة والسيطرة الخاصة بالجيش الوطني اليمني التي استولى عليها الحوثيين عقب الإنقلاب على السلطة والسيطرة على العاصمة صنعاء والمدن الأخرى
وفي أبريل 2015، أعلن التحالف عن العملية العسكرية “إعادة الأمل”، لإستعادة مدينتي عدن ومأرب شمال شرق صنعاء، والذي نجح في إستعادتهم اغسطس 2015 وخمس محافظات جنوبية أخرى، وذلك بعد تحييد القدرات الصاروخية للجيش السابق المؤيد للحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح.
ثم لحقتها عملية الرمح الذهبي في يناير 2017، التي نفذها الجيش اليمني والمقاومة الشعبية بإسناد التحالف العربي لتحرير الحديدة ومدن الساحل الغربي المطلة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
حيث تمكنت القوات الموالية للحكومة في يونيو 2018 من الوصول إلى الأجزاء الجنوبية من الحديدة وفرض حصار عليها لا يزال مستمرًا رغم إتفاقات التهدئة التي تمت عدة مرات دون حسم أمر المدينة.
وذلك بخلاف المعارك المستمرة دائمًا على جبهات مأرب والجوف والبيضاء والضالع وتعز والحديدة وصعدة.
مناطق السيطرة العسكرية:
منذ بداية عملية عاصفة الحزم مارس 2015 حتى يناير 2023 أنحصرت السيطرة العسكرية للحوثيين إلى نحو 28٪ من مساحة اليمن.فيما يسيطر الجيش الوطني اليمني بدعم من التحالف العربي على نحو 60٪ من مساحة اليمن، بينما يسيطر المجلس الإنتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات على ما يقارب 12٪ من مساحة اليمن كليًا بما يتضمن جزيرة سقطرى.
تطور الصراع:
على الرغم من تحقيق التحالف تقدم كبير، إلا إنه شكل حافز أكبر لتطور الصراع العسكري، بدلاً من مواجهة تمرد مسلح أصبح يواجه قوات عسكرية مدججة بمدرعات وعربات دفع رباعي وأنظمة مدفعية وراجمات صواريخ ومسيرات وصواريخ باليستية.
بخلاف مخزون الجيش اليمني من الصواريخ التي استولت عليها المليشيا تطور الصراع في اليمن إلى إستخدام ترسانة صاروخية متنوعة إيرانية الصنع وبعضها تم نقل تصنيعه في اليمن بواسطة الخبراء الإيرانيين من الحرس الثوري، منها طرازات مثل بركان وذو الفقار وبدر وصاروخ قاصم1و2، وقدس وسعير ونكال وقاهر M2 وشهاب وقيام وسجيل، وصاروخ ذو الفقار ذو المدى 700 كم، اطلقته مليشيا الحوثي على المملكة العربية السعودية والإمارات عدة مرات، ذلك بخلاف المسيرات التي تشن هجمات بين الحين والآخر على الرياض.
حصيلة الحرب حتى 2021: بحسب الأمم المتحدة فقد خلّف الصراع المشتعل في اليمن أسوء أزمة إنسانية في العالم:
أودت بحياة ما يقارب 250 ألف يمني سواء بشكل مباشر عن طريق القتال أو بسبب الأوبئة والمجاعات.
أصبح أكثر من 24 مليون يمني من أصل 30 مليون مواطن، بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ما يعني أن نحو 80٪ من الشعب اليمني، بحسب تقديرات الحكومة اليمنية بعد ان تكبد اليمن خسائر تقدر بما يفوق 100 مليار دولار خلال ست سنوات فقط من الحرب.
كما أدت إلى نزوح 4 ملايين يمني ولجوء مئات الآلاف إلى الخارج.
وتكبد اليمن خسائر بشرية واقتصادية كبيرة منذ الحرب إذ أفاد الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ التابع للأمم المتحدة بأن أكثر من 11 الف طفل اصيبوا أو قُتلوا منذ تصاعد وتيرة القتال عام 2015، وقد ذكرت بيانات الأمم المتحدة أن ما يشكل نسبة 1.25٪ من إجمالي تعداد سكان البلاد قد قتلوا بسبب أعمال عنف مرتبطة بالحرب منذ عام 2015 فيما لقى الكثير حتفهم بسبب تفشي الجوع والأمراض في البلاد.
وعلى الصعيد العسكري من خلال إحصائيّات التحالف العربي وجماعة الحوثي فإنه تم:
إعتراض وتدمير نحو 400 صاروخ باليتسي أطلقه الحوثيين حتى مارس 2021.
إعتراض وتدمير نحو 550 مسيرة أطلقت نحو السعودية، بالإضافة إلى 62 زورق مفخخ بمضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر.
فيما شن التحالف خلال ست سنوات من الحرب مايزيد عن 260 ألف غارة جوية بحسب مليشيا الحوثي، وقالت مديرة مكتب اليمن في البنك الدولي تانيا مير: “إن البنك وضع تقييمًا لقطاعات عديدة في اليمن، وإن تكلفة إعادة الإعمار لما خلفته الحرب تقدّر بـ25 مليار دولار”، وجاء تصريح مير ضمن جلسات منتدى اليمن الدولي الذي يعقد في العاصمة السويدية ستوكهولم عام 2022، ولكن لأرض الواقع رأي آخر، حيث تقدر فعليًا تكلفة إعادة الإعمار ما يزيد عن 200 مليار دولار في المتوسط حتى يتم إنتشال اليمن من المستنقع الذي غرقت به.
ماذا أبرزت الحرب للطرفين؟
منذ بدء الصراع في اليمن وهو آخذ في التطور من صراع بالأسلحة الخفيفة حتى الوصول لإستخدام الصواريخ والطائرات دون طيار والمدفعية وأسلحة أخرى سببت خسائر فادحة للسعودية والإمارات تحديدًا، وذلك يرجع لوجود كبير لقواتهم البرية على الأرض والإنخراط في عمليات مباشرة ضد الحوثيين.
كما أبرزت الحرب تفوق الحوثيين في التغطية الإعلامية للحرب، حيث أن الأعلام الحربي للمليشيات يوثق كل شئ، يوثق خسائر السعودية والإمارات لمئات المدرعات والدبابات والعربات المصفحة والقوات.
كما يوثق الحوثي عملياته العسكرية مباشرة أثناء الإشتباكات وليس بعدها، مما يظهر المعدات التي يستولي عليها أو الجنود الذين يقعون في الأسر.
وكشفت الحرب أيضًا عن تفوق الحوثي على الأرض وتخطيطه المحكم للإنتشار وتكتيكاته المتبعة في الكر والفر، عكس قوات التحالف التي تتبع أساليب لا تصلح لوضع القتال الدائر، الغارات الجوية لم تجدي نفعًا ملموسًا مع تجمعات المليشيات بسبب تحصنهم بالجبال والكهوف والوديان، وكذلك تسيير الدوريات العسكرية والتي في أغلب الأحيان تقع في فخ الأكمنة الحوثية، لذلك إستراتيجية التحالف وتكتيكاته لا تصلح لصراع مليشيات مسلحة.
التهدئة والهدنة:
لا تزال الجيوش العربية لا تتعلم من الماضي، رغم مناشدة المجتمع الدولي لوقف القتال والتهدئة مؤقتًا حتى يتمكن من إيصال المساعدات للشعب اليمني، إلا أن الحوثيين لا يلتزمون بوقف إطلاق النار، ويتم خرق الهدنة عدة مرات في اليوم الواحد، بينما التحالف العربي يقف عند الحد الذي وصله، فلا هو يتقدم ولا يعيد تنظيم صفوفه أو حتى تكثيف الإستطلاع للإستعداد لما بعد الهدنة.
ما سيئول له الصراع:
يمكن تسمية الصراع أنه صراع إيراني سعودي بالوكالة على أرض اليمن، وذلك لعدة أسباب أهمها هو أن ذلك يأتي ضمن أطماع إيران ومشروع الهلال الفارسي الشيعي، والذي هو بطبيعة الحال يهدد المملكة العربية السعودية مباشرة، وتكوين تحالف عسكري لمحاربة مليشيات الحوثي ما هو إلا زج بقوات متعددة الجنسيات في صراع سعودي إيراني، تدخل الإمارات ضمن التحالف ما هو إلا لتحقيق مصالح إماراتية بالسيطرة على سواحل اليمن الجنوبية وجزيرة سقطرى لما لها من أهمية إستراتيجية إقتصادية مهمة للإمارات وسنحت لها الفرصة بنشوب الصراع وتشكيل التحالف العربي.
تدخل السعودية بقيادة تحالف عسكري في اليمن كان بمثابة وضع الحطب بجانب النار، الأمر الذي أدى لإشتعال الموقف أكثر، وجعل المليشيات تستوحش في القتال وتجند الأطفال والنساء والشيوخ، إذ يقدر عدد المليشيا بما يزيد عن 300 ألف فرد مسلحين.
والتدخل الخارجي في الصراع منذ البداية صنع عدة جماعات كل منها تقاتل لمصلحة دولة أخرى.
ولن يتم حسم الصراع عسكريًا مهما تكلف الأمر، لن تتنازل إيران عن مليشيات الحوثي والموالين لها في اليمن، هي بمثابة أوراق ضغط على السعودية مثل أذرعها المسلحة في سوريا والعراق ولبنان، كما إنها ورقة ضغط مهمة تساوم بها المجتمع الدولي في ملفات مثل الإتفاق النووي والحظر العسكري والإقتصادي عليها.. إضافة لذلك لن تتخلى عن نفوذ لها على البحر الأحمر وبالتحديد منطقة تطل على مضيق باب المندب ومدينة هامة مثل الحديدة وميناءها.
وكذلك لن تتنازل المملكة العربية السعودية عن أهدافها من التدخل في اليمن ومحاربة المد الشيعي على حدودها بالإضافة لتأمين حدودها من وجود أذرع إيرانية مسلحة تهدد أمنها القومي، ولن تقبل بهزيمة عسكرية في اليمن تظل وصمة عار في جبينها، خاصة في ظل وجود الأمير محمد بن سلمان.
الحل الوحيد لخروج اليمن من تلك الأزمة هي بعدم تدخل أطراف دولية لها مصالح، في دعم أطراف الصراع، ومن ثم إيقاف القتال وعقد جلسات حوارية على مستويات عليا بين المملكة السعودية وبين إيران، وذلك لتقريب وجهات النظر فيما يمكن الإتفاق عليه لوقف الحرب والوقوف على أرضية مشتركة للحوار والتفاهم والتعاون البناء بما يحقق مصلحة الشعبين السعودي والإيراني ويسبقهم اليمني الذي هو ضحية ذلك الصراع.
يتبع ذلك بناء جيش وطني جديد وقوي، إنتماءه للوطن فقط، ثم رسم خارطة طريق لإنتشال اليمن، وتثبيت أركان الدولة عبر إنتخاب حكومة ورئيس دولة ذو رؤية حقيقية للخروج من المستنقع الموحش، وإعادة الإعمار.